يروي بول أوستر أنه عندما زار الأراضي المحتلة في عام 1997، علم بقصة صداقة نشأت بين أسير فلسطيني وسجّان إسرائيليّ، عبر مناقشتهما الطويلة لأعماله. يقول أوستر إنّ هذه الحادثة جعلته يشعر بأن «كل الكدح في هذه السنين، كان يستحقّ ذلك». زيارته الآن إلى القدس لا تتحمّل هذا التوازن الطوباويّ. وخصوصاً أن «مهرجان الكتاب العالميّ الثاني» يجري في القدس الغربيّة، وضمن الاحتفالات بالذكرى الـ150 على تأسيس أول مستوطنة في القدس، ويرمز إليها بـ«مشكنوت شاننيم»، وهي الطاحونة الباقية من آثارها.تجري فعاليات المهرجان، على مدى ثلاثة أيام (3 ــــ 6 أيار/ مايو)، في انفصال عن المحيط السياسيّ والاجتماعيّ. بينما تخصص ندوة للحديث عن «أدب المحرقة المعاصر» يقدمها كل من دانيال مندلسون (الولايات المتحدة)، أدولفو غارسيا أورتيغا (إسبانيا)، ونير برعام (إسرائيل). يتضمن البرنامج أيضاً محاضرة عن «الأدب اليهودي ــــ العربيّ»، جنباً إلى جنب مع الأدب الصينيّ والروسيّ كآداب (أجنبيّة). هذا إضافة إلى جولات في أحياء القدس القديمة ومكتباتها، وفعاليات موسيقيّة. الاسم الرنان الوحيد هو أوستر، إضافة إلى نجوم الأدب الإسرائيليّ (اليساريّ الصهيوني غالباً): عاموس عوز، دايفد غروسمان، أ. ب. يهوشوع، مائير شاليف، وإيلي عامير الذي يقدم محاضرة عن الأدب العربيّ.
يصرّح أوستر أنه يشعر بالانفصال عن عالم ما بعد 11 أيلول. شخصية أوغست في الرواية تقول «أطفئ النور، وها أنا في الظلام من جديد، غارقاً في الظلام اللانهائيّ، الظلام الذي يهدئ الروع».
ولكي لا يقع أوستر في الظلمة نفسها، قد تكون هذه فرصة لنقول لأوستر «ميّل» على بلداننا العربيّة. حتى لا نُسقط كاتباً آخر من قائمتنا قبل أن (يعرفنا). في اللقاء الذي أجرته معه الشاعرة جمانة حدّاد قبل سنوات، تفاجأ أوستر بأن له قراءً عرباً... وتساءل عن اللغة التي يقرأون رواياته بها. نحن نقرأك بالعربيّة مستر أوستر، ونودّ مخاطبتك بها.
حتى ذلك الحين، ننتظر رواية أوستر الجديدة Sunset Park التي ستطرح في المكتبات في تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام بعدما أصدر السنة الماضية Invisible. في هذه الرواية، يكثّف أوستر الزمن الأدبيّ، فيثبت مرة أخرى أن الأدب لا يقوم فقط بالتوثيق للماضي، بل هو حاضرٌ يناكف الحاضر ويوثّقه. يعود أوستر في هذه الرواية إلى حارته النيويوركيّة، من خلال حكاية قصّة الشاب آدم ووكر في زمن الانهيار الاقتصادي العالميّ في فترة ما بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 وأيار (مايو) 2009. تبشّر الرواية بشخصيات مأزومة تركها الانهيار الاقتصاديّ على حافة العالم: آدم وعلاقة سفاح مع شقيقته، شخصيات تحوم في مستشفى «الأغراض المكسورة»، ممثلة تحضّر للعودة إلى مسارح برودواي، وناشر يحاول إنقاذ عمله وزواجه.
أحمد...