منع الاحتلال قافلة الأدب من الوصول إلى غزة. لكن المهرجان تنقّل بين أرجاء فلسطين وشمل ثلاثين فعالية أدبية وفنية توزعت على مدن وبلدات وجامعات. وصدرت عنه أنطولوجيا «وقع الكلمات»

القدس ــ مصطفى مصطفى
الدورة الثالثة لـ«احتفالية فلسطين للأدب» انطلقت من القدس المحتلة يوم السبت الماضي، واختتمت أيضاً في البلدة القديمة من القدس ليلة أول من أمس الخميس. على مدى أسبوع، شاهد الجمهور الفلسطيني قرابة ثلاثين فعالية أدبية وفنية توزعت على مدن وبلدات ومخيمات وجامعات فلسطينية، وقراءات بالانكليزية والعربية لكتّاب أجانب وفلسطينيين وفنانين شاركوا في الاحتفالية التي بدأت في عام 2008 أي في الذكرى الستين لاحتلال فلسطين.
الحدث الذي يقام بمبادرة من مؤسسة Engaged Events البريطانية والروائية المصرية البريطانية أهداف سويف بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات الفلسطينية، تقوم فكرته على دعوة كتّاب أجانب (غالباً من كتّاب اللغة الانكليزية) إلى فلسطين ولقائهم بكتاب فلسطينيين وملامسة الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال، وتقديم منتجهم الأدبي مباشرة إلى الجمهور المحاصر بالجدران والحواجز العسكرية الإسرائيلية. فكرة الاحتفالية ـــــ كما يقول منظّموها ـــــ تستلهم عبارة الكاتب والمفكّر الراحل إدوارد سعيد حول قوة الثقافة في مواجهة ثقافة القوة.
الاحتفالية التي منع الاحتلال فعالياتها من الوصول الى غزة، كرّمت هذا العام الشاعر الفلسطيني طه محمد علي (راجع المقال أدناه) في أمسيتها الافتتاحية في «المسرح الوطني الفلسطيني» السبت الماضي. اللقاء الذي حمل عنوان «ما بعد الروائي»، امتلأ بجمهور جلّه من الأجانب. وقد أدارت الأمسية الكاتبة أهداف سويف (الصورة في البرواز)، مديرة مؤسسة Engaged Events منظِّمة الاحتفالية.
الكاتبة الأميركية الفلسطينية سوزان أبو الهوا قرأت نصاً عن قرية «عين حوض» (راجع ص 18) المهجَّرة، والكاتبة البريطانية فكتوريا بريتن قرأت مقاطع مسرحية تستلهم تجارب نساء اعتقل أزواجهن في معتقل غوانتنامو الأميركي (راجع ص 18). أما كاتبة السيرة سيلينا هيستنجز فقرأت مقطعاً من السيرة التي وضعتها أخيراً للروائي البريطاني سومرت موم. وكما القراءات، جاء الحوار مع الكاتبات، أيضاً بالانكليزية. وحين جاء دور الزميل والشاعر نجوان درويش لقراءة نص شعري طويل بعنوان «فبركة» اتسم براديكالية وسخرية عالية، وقعت جلبة أصوات في القاعة نتيجة وضع الجمهور السماعات الخاصة بالترجمة العربية. إذ إنّ الافتتاح تقريباً كان بالانكليزية فيما عدا مشاركة نجوان درويش الذي آثر أن تكون مشاركته كلّها باللغة العربية. وهكذا كلّما شرع نجوان بالتحدث بالعربية رداً على الأسئلة التي وجهت إليه بالانكليزية من الجمهور بعد القراءة، كانت تسمع جلبة سماعات الترجمة التي تشبه جلبة استلال الأسلحة. مثل هذه الواقعة، تظهر أنه رغم حرص «احتفالية فلسطين للأدب» بموسهما الحالي ـــــ وذلك مقارنة بموسميها السابقين اللذين أُخذ عليهما مشاركة أغلبية من الكتّاب الأجانب ـــــ على إشراك مجموعة أكبر من الكتّاب الفلسطينيين، فإن طابعها الناطق بالانكليزية ما زال هو الغالب.
يذكر أن هناك 36 مشاركاً في الاحتفالية، معظمهم من الكتّاب إلى جانب فنانين ومسرحيين وفرق موسيقية، من بينهم سهير حماد، وناتالي حنضل، وآدم فولدز، وراشيل هولمز، وأرونداتي روي، وجيف داير، ونانسي كريكوريان، ووليم ساتكليف، وجيمس وود، وسعاد العامري، ومحمود شقير، وسوزانا كلاب، ورجا شحادة، وجيف داير، و«فرقة تشويش»، و«فرقة القدس للموسيقى العربية» وغيرهم.

عن قرية عين حوض المهجَّرة ونساء اعتقل أزواجهنّ في معتقل غوانتنامو
وقد لوحظ حرص الاحتفالية على اختيار أماكن عقد اللقاءات الأدبية وحلقات النقاش في جامعاتٍ فلسطينية (خصص يوم الخميس لورشات عمل ولقاءات للكتاب مع الطلبة في جامعة «بيرزيت»)، ومراكز ثقافية ومبانٍ تراثية كـ«حمام الشفاء» و«قصر القاسم» في نابلس. إلا أن اعتناءها باختيار الكتّاب الفلسطينيين لم يتّسم بالحرص ذاته في اختيار أماكن فعاليات الاحتفالية. إذ إن بعض الأسماء الفلسطينية النسائية الشابة المشاركة في الاحتفالية تندرج أعمالها تحت تأثير شعر محمود درويش، وأخرى لا يوجد لها إصدار أدبي. وقد أصدرت «احتفالية فلسطين للأدب» أنطولوجيا باللغة العربية بعنوان «وقع الكلمات»، تضم نصوصاً لـ 22 كاتباً وكاتبة هم من مشاركي الاحتفالية.
كذلك شهدت الاحتفالية فعاليات فنية كمعرض «قصيدة بيروت» للفنان رشيد قريشي الذي تنقّل بلوحاته بين القدس وبيت لحم ورام الله، إلى جانب الفيلم السينمائي «عصر السد: مع أرونداتي روي» (إخراج أردانا سيث ــــ 2002)، ومسرحية «إذ قال يوسف» لفرقة «شِبر حر». وقد جالت فعاليات الاحتفالية التي ترعاها شخصيات مثل جون برجر والراحلان محمود درويش والمسرحي البريطاني هارولد بنتر، على مخيم الدهيشة وبيت لحم ونابلس وجنين ورام الله.... لتختتم ـــــ كما بدأت في القدس ـــــ في «جمعية الجالية الأفريقية» ضمن لقاء حمل عنوان «كلمات لها وقع».
هنا، قرأ جميع الكتّاب الضيوف ـــــ بالانكليزية ومن دون ترجمة هذه المرة ـــــ اقتباسات أدبية من كتّاب آخرين، وارتجل بعضهم كلمات تضامن ودّعوا بها الجمهور الفلسطيني الذي احتضنهم على مدار أسبوع... كل ذلك، غير بعيد عن واحدة من البوابات المفضية إلى المسجد الأقصى... هنا، حيث منعت قوات الاحتلال مجموعة من الكتاب الذين حاولوا زيارة المسجد الأقصى، من دخول باحاته.

www.palfest.org


انطلقت الدورة الأولى من «احتفالية فلسطين للأدب» في عام 2008 في القدس ورام الله وبيت لحم. وفي عام 2009، توسّعت لتشمل مدينتي جنين والخليل. ونظراً إلى العوائق التي يواجهها الفلسطينيون في التنقّل بين مدنهم، خرج منظّمو الاحتفالية بفكرة أن تتنقّل الاحتفالية بين هذه المدن. وفي دورتها الثالثة، تنقّلت فعاليات الاحتفالية بين المدن الفلسطينية المختلفة من الضفة والقدس ورام الله وجنين والخليل وبيت لحم ونابلس... إلا أنّها عجزت عن دخول غزّة المحاصرة.