سعيد خطيبيقليلة هي النصوص الأدبيّة التي تتبنّى نبرة ساخرة للحياة، وتتّخذ دور الشاهد على تحوّلات المجتمع الجزائري الآنيّة. وفي وقت تشهد فيه الكتابة الأدبيّة في الجزائر، غوصاً أكثر في الأطروحات الفلسفيّة، مبتعدة عن الأسئلة الواقعيّة، يطلّ علينا الكاتب الجزائري كمال قرور، من خلال المجموعة القصصية «الشعوب التعيسة في الجمهورية البائسة» (منشورات القصبة ـــــ الجزائر)، بأسلوبية مغايرة. هنا، يتحدّد شرطا الكتابة بمحاولة إعادة تشكيل كآبة الواقع والكشف عن ضبابية التطلّع إلى المستقبل.
تكشف عتبة العنوان عن محور قصص المجموعة التي تحاول رسم ملامح الحياة اليومية في الجزائر، وفق لغة هزلية، عبثية أحياناً، حيث تتداخل المتغيّرات السياسية والاجتماعية مع بعض الإسقاطات التاريخية.
ينطلق صاحب «جائزة مالك حداد للرواية» (2007) في سرد يوميات مواطني «الجمهورية التعيسة» (صورة مصغّرة عن الجمهورية الجزائرية). قصة «سنوات الجمهورية العجاف» تكشف عن معضلة استفحال التفكير الديني على حساب الواقعية المهنيّة، ما أفرز فئات اجتماعية تشترك في مشاعر «الكسل» وعدم التفاعل مع تطورات العالم المحيط. فئات اجتماعيّة تحفظ الأحاديث النبوية عن ظهر قلب من أجل الجدل العقيم في المقاهي والأماكن العامة والخاصة.
الجاحظ والطائي ضيفا «الشعوب التعيسة في الجمهورية البائسة»
يحاول كمال قرور إسقاط بعض الوقائع المستمدة من التاريخ الأدبي العربي، على الراهن الثقافي في الجزائر. هكذا، يسرد «حكاية الجاحظ وما جرى له في مكتبات الجمهورية» إذ ينقل المؤلف أبا عثمان عمرو، المدعو الجاحظ، من البصرة في العراق، إلى أرصفة الجزائر، ليصطدم بملاحظة تفيد بأن كتب الطبخ مثل «تحفة العروس» و«رسائل العشاق» صارت أشهر من كتابه «البخلاء». وتظلّ إحدى أهم المحطات الإيجابيّة التي يفتخر بها أفراد «الجمهورية التعيسة» تتجسد في نجاح أحد «المفكرين» في الاستيلاء على أموال أحد السماسرة، وهي الواقعة التي نقرأها في قصة «حكاية صاحب الفكرة وصاحب المال وقصة الاحتيال».
يواصل المؤلّف السخرية من الواقع السياسي في «الجمهورية التعيسة» من خلال سرد قصة «حكاية حضرة الجنرال الحجاج» الذي دخل كتاب «غينيس» للأرقام القياسية، كونه صاحب أطول فترة حكم وصاحب خصوصية عدم امتلاك معارض سياسي واحد، قبل العودة إلى لعبة الإسقاطات التاريخية عبر قصة «إضراب غير دستوري في مطبخ حاتم الطائي (ماكدونالد) العرب». هنا، يتحوّل حاتم الطائي، مثال الجود عند العرب، إلى مدير مطعم فاخر ويحمل لقب «ماكدونالد» العرب ويفشل في وقف حركة الإضرابات المتواصلة بين الطباخين. ما أدى به إلى التفكير في الاستنجاد بالعمالة الآسيوية، الأكثر فعّالية والأقل كلفةً.
تمنحنا مجموعة كمال قرور «الشعوب التعيسة في الجمهورية البائسة» فرصة للاطّلاع على تجربة أدبية مختلفة، ساخرة وواعيّة في آن واحد، تميل إلى المزج بين اللغة العربية الفصحى والمصطلحات المستقاة من العاميّة الجزائرية... مع التطرق إلى مختلف تغيّرات المجتمع الراهنة، من دون المساس بخصوصيات الأفراد أو الجماعات.