بيار أبي صعب
صموئيل بيكيت (1906 ـــــ 1989) جاء بيروت عن طريق الشام، ليحلّ ضيفاً على مسرح «دوار الشمس» ضمن «مهرجان الربيع» الذي يدور بين العاصمتين المصريّة واللبنانيّة. أتى به أسامة غنم ومحمد آل رشّي، مخرج وممثل «الشريط الأخير» (الصورة)، مسرحيّته المكتوبة بعد عقد على «غودو». النصّ المونودرامي القصير كان يفترض أن يكون للإذاعة، لكنّ الكاتب الإيرلندي نقله إلى الخشبة، وألحقه بـ«نهاية اللعبة» (1957)، فجُسّدا معاً في لندن عام 1958. وبعد سنتين، أخرجه روجيه بلان في باريس، بالفرنسيّة، اللغة التي هاجر إليها بيكيت في الخمسينيات.
عندما أتته هذه الفكرة الحديثة، المشهديّة بامتياز، التي هي إدخال مسجّلة إلى المسرح، كان ذلك الجهاز الضخم ببكرتيه الشهيرتين، قد بدأ لتوّه بالانتشار، سنوات ضوئيّة قبل الكاسيت.
أما اليوم، فإن الجهاز القديم الذي يخرجه أسامة غنم من متحف الذاكرة، تضاعفت قدرته «السحريّة» على تجسيد فكرة بيكيت عن الزمن الهارب. Krapp (روث؟) كاتب فاشل على الأرجح، مهرّج حزين، مدمن وفاشل. حطام رجل يمارس طقوس عزلته، يأكل الموز، يعاقر الخمر. يجترّ انهياره، معيداً الاستماع إلى بكرات دأب على تسجيلها في أعياد ميلاده. وحيداً، عاجزاً، منهكاً، يدخل في مواجهة مع ماضيه.

مسرحيّة أسامة غنم عن الإحباط والفشل والمرارة
من المسجّلة ينبعث صوت نابض بالأمل لرجل في التاسعة والثلاثين، وذكرى عناق في الزورق فوق البحيرة. يتشاجر كراب مع «الأحمق» الذي كانه قبل ثلاثين سنة. كيف تراه «يكون من جديد»؟ الليلة، لم يعد لديه ما يقوله عن حياته المجهضة.
يعيدنا أسامة غنم في باكورته الإخراجيّة إلى المسرح الذي نفتقده. يبني رؤياه الخاصة، محترماً النص بحذافيره. والنتيجة عمل سوري بامتياز، مضبوط تقنياً، وناضج جماليّاً وفكريّاً. صوت توم وايتس وكلمات أغنيته Blue Valentines إضافة ديناميّة للعرض.
الإيقاع البطيء، الظلام المحيط بالمكتب الذي تراكمت فوقه البكرات، وتلك الآلة الجهنمية لعبور الزمن. أداء محمد آل رشّي، أنفه الأحمر، صوته المطفأ والمشية المتهالكة، نظره الضعيف، يداه العصبيتان، ملامحه تقول السخرية والحنين. مسرحيّة أسامة غنم عن الإحباط والفشل والمرارة، وكلّها من العلامات الفارقة لجيل كامل في الثقافة السوريّة والعربيّة.