فؤاد خوري بين خيبة وحنينبيار أبي صعب
«كنت أتمنّى لو أستطيع/ أن أتذكّر أحلامي/ أن أرقص كلّما مات صديق/ أن أبكي عن كلّ المرّات التي لم أبك فيها/ أن ألتزم االصمت». على الهامش الأبيض العريض، لصورة قليلة الألوان بتوقيع فؤاد الخوري، تمثّل طريقاً داخل نفق («كنت أتمنّى»). مقاربة فوتوغرافيّة وفلسفيّة، وجوديّة وسياسيّة، تختصر روح معرضه البيروتي «ماذا حدث لأحلامي» الذي أسدل عليه الستار أخيراً في «فضاء كتّانة ــــ كونيغ».
اعتمد المعرض بالأساس على الفوتومونتاج، صورتان أو ثلاث أو أكثر في عمل واحد، لقطات متتالية للمشهد، أو وجوه ومشاهد متعاقبة، أو صور من أزمنة وأمكنة مختلفة التقت لتخترع بعداً آخر. مثل العمل الذي يجمع بين الرأس المقطوع في إحدى ساحات باريس، والتمثال الذي نسيته الحضارة في الكرنك (الكرنك ـــ باريس). وجوه الأصدقاء تتراصف مع مقتطفات أدبيّة، في لحظة مسرحيّة بامتياز، لحظة استوديو (الأحد، في عيد ميلادي). كليشيهات أربع لميليشوي من حرب منسيّة، يلعب الورق وخلفه على جدار المقهى رسمة نعامة، وحول الإطار اسم التنظيمات السياسية والعسكريّة اللبنانيّة (لبنان، النعامات والآخرون). وها هو فؤاد على ضفاف البوسفور، يرصد عبور الدقائق عند الميناء ساعة الغروب، حتى اختفاء السفينة (إلى أمّي). ماذا عن تفاصيل القصف والموت والعنف في غزّة، كما التقطها على الشاشة الصغيرة وأضاف إليها كتابات من نوع: «مشاهدون على تلّة يتفرجون على القنابل»، «صراخ الذين قتلوا بصمت»، «الحياة تواصل مجراها، من غير المجدي أن تشعر بالإهانة». (صمتاً، النيران تنهال على عزّة).
تخللت الأعمال غالباً ــــ جزء أساسي منها بالأبيض والأسود ــــ كتابات هي بين شعارات الجدران وقصائد الهايكو، بين تأملات واعترافات متأخّرة لرجل ما زال مسكوناً بأشباحه القديمة. بعد مشروعه «عن الحرب والحبّ» من وحي عدوان تمّوز ٢٠٠٦، يمثّل هذا الشغل، مفترق طرق في مسار الفنّان اللبناني الذي يصعب تصنيفه. في الطريق إلى ابتكار مفردات وقوالب جديدة، يصفّي حسابه مع الماضي، يراجع أعمالاً سابقة أخرجها من الصناديق، ناظراً إلى ذاكرة جيله من مسافة مشوبة بالندم والكآبة والحنين... نبش فؤاد في أرشيفه وألبوماته المنشورة (Suite Egyptienne 1999, Sombres 2002)، فتّش في دفاتر رحلاته باحثاً عن آثار خطوات، بقع ضوء، حكايات هاربة... محاولاً التقاط تلك السرعة التي تعبر

فنان احتجاج خافت وذاتي وحميم
بها الأشياء. «السرعة» التي اشتغل عليها بول فيريليو، المفكّر والمعماري الفرنسي الذي يحيل إليه فؤاد الخوري في تقديم المعرض.
«ماذا حدث لأحلامي» معرض يحكي قصّة جيل الأوهام الجميلة... تجول الكاميرا في العالم، تبحث عن نقاط الارتكاز والخلل، تقوم بجردة حساب ذاتيّة كاوية. السكك الحديد اقتلعها الزمن، وضاعت في عراء الطبيعة (راس بعلبك). نصب المعمار البولوني ــــ الأميركي دانيال ليبسكيند لضحايا المحرقة في برلين بات «فلسطين ٢٠٤٨». الطفل الفلسطيني الذي صوّره سابقاً بالكوفيّة، صارت له قصّة في «وُلِدَ خاسراً». الصورة الشديدة الاحمرار التي التقطها شاباً، أوّل عهده بالتصوير، مثل بطل أنطونيوني في إحدى الحدائق العامة، تستعيد حواراً عبثياً مع «الأب». في الباحة الداخليّة للفندق، عند توقيع «اتفاقية ١٧ أيّار»، صوّر الجنود أمام حوض سباحة فارغ من الماء، وكتب «أكثر ما أفتقده ابتسامتكِ التي لا تصدّق» (ابتسامة). وفي صالة العرض، بين خيبة وحنين، نسمع خطابات كاسترو وكينيدي ولومومبا وعبد الناصر وغيفارا ولوثر كينغ... وأغنيات أسمهان والرولينغ ستونز وبريل وعبد الوهاب وليد زيبلينغ وجون لينون...
فؤاد الخوري فنّان «احتجاج». احتجاج خافت وذاتي وحميم، يبدو استقالة لكنّه ليس كذلك. يعبر زمنه، من كوبا إلى الموزمبيق، مروراً بباريس ولشبونة، غزّة والقاهرة، اسطنبول وبرلين. تاركاً بصماته الضوئيّة في سجلّ الأحلام الضائعة.