بغداد ــ حسام السراي
يرسم لنا أصحاب الغاليريهات الفنية في بغداد مشهداً لا يخلو من التحدي والمثابرة. يُترجم ذلك بالمعارض الكثيرة التي تقام في العاصمة، ولو أحيط بعض هذه الفضاءات الثقافية بأسوار من الأسمنت لأسباب أمنيّة. هكذا، يستمرّ الفنانون في إقامة معارضهم في ظل حالة من التجاهل الرسمي وإهمال أصحاب القرار في عراق اليوم.
معارض هنا وهناك، بعضها يشير إلى تطوّر في بعض التجارب، رغم هجرة الكثير من الأسماء الراسخة في التشكيل العراقيّ، وانحسار عدد الغاليريهات، وتراجع الإقبال على اقتناء اللوحات. يرى التشكيليّ حسن النصّار في إقامة المعارض اليوم «محاولة لبثّ القيم الجماليّة في الحياة العراقيّة والاستمرار بالبحث والتطوير». وعن مستوى التجارب الحالية، يقول مدير غاليري «مدارات»: «التجارب الجديدة تفتقر إلى الجرأة والمخيّلة قياساً إلى إنجازات الأجيال السابقة»، مشيراً إلى أنّ «العنف أثّر في الذائقة الفنيّة للمجتمع، منذ أوّل حرب خاضها العراق قبل 30 عاماً».
التشكيلية أنغام محمد جواد أموري لا تتفق مع النصار في هذا الموضوع، إذ ترى أنّ «الذائقة لم تتراجع في العراق، بل العكس. أطفال اليوم، مثلاً، يندفعون لمعاينة اللوحات لدى مجيئهم مع ذويهم إلى أي معرض. من غير المقبول أن يواصل بعض الفنانين التذرّع بالوضع الأمنيّ للتغطية على كسلهم».

دولتنا تحتاج إلى العسكر أكثر من الفنّانين (محمد الحمداني)

أما الفنان قاسم سبتي، مدير غاليري «حوار»، فيرى أنّ «الومضات التي تنقذنا من هذه العتمة التي نعيش فيها تأتي من مشاريع فرديّة مصرّة على الحياة». ويحدّد سبتي التجارب التي تطوّرت في المختبر التشكيلي العراقي: «هناك أيقونات ماهر السامرائي، وأكرم ناجي، وزيد لقمان في الخزف، ومنحوتات طه وهيب، ورضا فرحان، وعبد الكريم خليل، وعلوان العلوان. وسننظّم قريباً معرضاً في بيروت بمشاركة 50 فناناً عراقيّاً». وإذا كان الفنان تركي عبد الأمير يعترف، من جهته، بأن «الإقبال على المعارض التشكيليّة ليس بالمستوى المأمول، لأنّ الخوف ما زال قائماً من التجمعات التي يستهدفها الانتحاريون عادة»... فإن القصة الأكثر غرابة نسمعها من التشكيليّ محمد الحمداني. مدير غاليري «الحمداني»، في بغداد، يخبرنا عن «تشكيليّين التحقوا بالأجهزة الأمنيّة لتحصيل رزقهم». ثم يردف: «يبدو أن دولتنا تحتاج إلى العسكر أكثر مما تحتاج إلى فنانين اليوم».
جولة قصيرة على جيوب المقاومة الثقافيّة في العاصمة العراقيّة، تؤكّد لنا ما كنا نعرفه جيداً: لا يستطيع الفنّ أن يعيش من دون حماية أو رعاية، في مجتمع يحاول الخروج إلى النور. وإلا فمن يحميه من هجمة الرساميل التي حوّلت بعض الفضاءات العريقة إلى مراكز تجاريّة؟ «اللوحة ستتحوّل الى بضاعة كاسدة»، هذا ما يردّده الحمداني الذي لا يخفي نظرته التشاؤميّة إلى مستقبل الفنّ العراقي.