خليل صويلحاختار بو علي ياسين (1942 ـــــ 2001) اسم «عين الزهور» لكتابة سيرته الذاتية، أوائل التسعينيات، لكن الكتاب مُنع من التداول حينها. وها هي «دار المدى» تعيد طباعته ضمن مشروع ضخم لإعادة طباعة الأعمال الكاملة لصاحب «الثالوث المحرّم». ليس ما نقرأه في «عين الزهور» سرداً سيروياً صرفاً، هناك فكاهة وسخرية سوداء تقفز بين السطور. هنا يواجه «ياسين حسن» المصاعب بالنكتة. يتوقف عند محطات جبلت تجربته، وتجربة أبناء جيله، ثم يذكر واقعة مضحكة في تهكّم مرير من نفسه أوّلاً، ليكمل سيره بين قرى ومدن، شهدت طفولته الأولى، وصولاً إلى ألمانيا، حيث درس الاقتصاد السياسي في بون.
اكتشافه أهمية الثقافة الشفوية، والنكتة، والأدب الشعبي، جعله يكرّس جهوده الأخيرة، في توثيق هذه الظواهر في المجتمع السوري، معتبراً النكتة بوصلةً في معرفة طبائع البشر. هكذا، أنجز عناوين عدة في هذا السياق: «بيان الحد في الهزل والجد: دراسة في أدب النكتة»، و«شمسات شباطية»، ودراسته المهمة عن «ألف ليلة وليلة» في كتابه «خير الزاد من حكايات شهرزاد».

«عين الزهور» سيرة باحث وثّق النكتة لمعرفة طبائع البشر
لا يتوانى بو علي ياسين عن ذكر حوادث شخصية، تؤكد خيباته وقلة حيلته في مواجهة المواقف الطارئة. وإذا بمواقف عادية تبلغ حدود المفارقة الساخرة. أبطال سيرة بو علي ياسين، قرويون يعيشون حياتهم بمعزل عمّا يحدث في العالم، ومثقفون حالمون عاشوا صدمة الحداثة في أوروبا الستينيات، وكان واحداً منهم. وبدلاً من تغيير العالم وفق رؤية ماركسية صارمة، كما كان يطمح، وجد نفسه موظفاً مهملاً في مؤسسة حكومية.
لا تفترق «عين الزهور» في قيمتها الفكرية عن بقية أعمال هذا الباحث، فهو لم يغادر موقعه كمثقف نقدي، بل وسّع الدائرة لتشمل مناطق فكرية وسوسيولوجية مهملة، في تأكيده على غنى الأدب الشعبي، وضرورة توثيقه، وقراءة إحالاته الاجتماعية والسياسية. بهذا المنظار، وثّق مئات النكات المتداولة في الساحل السوري في «شمسات شباطية»، وكان انكبابه على دراسة «ألف ليلة وليلة» قراءة مغايرة لما سبقها، تنطوي على جهد معرفي خلّاق، أضاء دور الحكاية ووظائفها في مجتمع شهرزاد وأزاح اللثام عن مفاهيم مبتكرة في تعدد طبقات الحكي في الليالي العربية.
في الذكرى التاسعة لغياب صاحب «على دروب الثقافة الديمقراطية»، سنفتقد مجدداً واحداً ممن أسسوا لكتابة نهضوية لثقافة العصيان، من دون ادعاء، إذ ظل يعمل بعيداً عن الأضواء إلى آخر لحظة من حياته.