كان ــ سعيد خطيبيبين الجدل الذي رافق عرض فيلم الفرنسي كزافييه بوبوا «بشر وآلهة» (الجائزة الكبرى) وحقيقة ما جاء على الشاشة، فارق ملحوظ، لكنّ لبّ القضية ظل ثابتاً، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة المشبوهة التي تبنّاها الجيش الجزائري في التعامل مع رهبان تيبحيرين (90 كلم جنوب الجزائر العاصمة) الذين أودت بهم مذبحة فظيعة بقي مرتكبها مجهولاً، في عام ١٩٩٦.
قلبَ الفيلم التوقعات وحادَ عن إثارة جدل دبلوماسي بين الجزائر وفرنسا قد يعمق الهوة بين البلدين. فضّل عدم اتهام الجيش الجزائري ــــ اتهاماً مباشراً ــــ بقضية اغتيال رهبان تيبحيرين، مكتفياً بإبراز جملة تلميحات تترك الباب مفتوحاً أمام مختلف الفرضيّات. وقد بدا سيناريو الفيلم (اتيان كومار) حذراً في التعاطي مع مظاهر الحرب الأهلية، خلال التسعينيات في الجزائر، عبر دمج صوتي الجماعة الإسلامية المسلحة والسلطات الرسمية، وعدم اتخاذ موقف متعاطف مع أي طرف.
الشريط الذي سبق عرضه في «كان»، أثار لغطاً كبيراً ومخاوف من إمكان فتح جرح لم يندمل بعد، تناول الشق الديني من حياة ثمانية رهبان، يقيمون في «دير الأطلس» في منطقة تيبحيرين، حيث تقتصر يومياتهم على ممارسة شعائرهم، ومساعدة أهالي البلدة.

تجنّب الشريط اتهام الجيش الجزائري بالمجزرة
هذه الحياة الهادئة تطغى عليها روح التسامح والمحبّة مع نظرائهم المسلمين. ويذهب الفيلم إلى تقديم الراهب كريستوف (أوليفيه رابوردان) وهو يطّلع على القرآن. لكن يوميات السلم والتناغم تتحول إلى حياة رعب وخوف مع اتساع مد الجماعات الإسلامية، وتزايد العمليات الإرهابية، والاغتيالات والتفجيرات
«بشر وآلهة» لم يتهم صراحة الجيش الجزائري باغتيال الرهبان، لكن الإيحاءات التي يتضمنها السيناريو كانت صريحة. يركّز الشريط على تصوير علاقة تحكمها الخدمة الإنسانية بين الجماعة الإسلامية والرهبان، وهي علاقة تختلف عن تلك التي تربطها مع القوات العسكرية الحكومية التي تتهم الرهبان، في البداية، بدعم المسلحين الإسلامويين، ثم تأمرهم بإخلاء المكان والرحيل إلى فرنسا، بحكم أن المنطقة صارت غير آمنة. لكن الرهبان يفضلون البقاء وينتهي الفيلم، بمشهد مفتوح، على خلفية حادثة اختطافهم عام 1996 من قبل الجماعة الإرهابية ثم إطلاق سراحهم، فاغتيالهم في ظروف مجهولة. هذه الطريقة تترك السؤال مطروحاً عما سماه المخرج، «لغز» اغتيال هؤلاء الرهبان في عملية تبّنتها الجماعات الإرهابية...
أهم ما جاء في «بشر وآلهة» هو أنّه أعاد طرح سؤال «من قتل من؟» في جزائر التسعينيات، في انتظار مبادرات أكثر وعياً وعمقاً في الغوص في أسئلة ما زالت جزءاً من الراهن.