إنطفأ «نجيب محفوظ التلفزيون»، عن 69 عاماً، تاركاً خلفه عشرات الأعمال الدراميّة، إلى جانب كتبه ومسرحيّاته، وأفلامه و... مواقفه المثيرة للجدل
محمد عبد الرحمن
في حلقة الثلاثاء الماضي من برنامج عمّار الشريعي على «راديو مصر»، وجّه الموسيقي المصري تحية خاصة إلى أسامة أنور عكاشة وطلب من الجمهور الدعاء له. وأكد الشريعي في برنامجه أن عكاشة ظاهرة مصرية حقيقية، وأنه فخور بوضع الموسيقى التصويرية لأكثر من 90 في المئة من مسلسلاته وأفلامه. وأضاف، نقلاً عن نسرين عكاشة، إن صحة والدها تتحسّن. لكن القدر كتب الحلقة الأخيرة من حياة «سيّد الدراما العربية» فجر أمس، فتوفِّي عن 69 عاماً في مستشفى «وادي النيل».
هكذا رحل الكاتب المخضرم الملقب بـ«نجيب محفوظ التلفزيون»، بعدما أعطته الحياة الفرصة الكاملة للتعبير عن فلسفته الخاصة، مستخدماً أكثر أنواع الفنون جماهيرية في السنوات الثلاثين الأخيرة، أي الدراما. وقد غطّى نجاح عكاشة في الدراما على باقي أعماله الأدبية وأفلامه ومسرحياته.
تزامن صعود نجم عكاشة مع تطور الدراما التلفزيونية. وبدأ الجمهور يعرف اسمه مطلع الثمانينيات بعد عشرين عاماً من دخول التلفزيون إلى البيوت المصرية. ومع دخول الألوان إلى التلفزيون، باتت صناعة المسلسلات بحاجة إلى فكر جديد سواء على مستوى التأليف أو الإخراج وبالطبع التمثيل. هنا، فُتحت الأبواب أمام الثلاثي أسامة أنور عكاشة، والمخرج إسماعيل عبد الحافظ، ومعهما يحيى الفخراني، ثم باقي الممثلين الذين هربوا من السينما إلى التلفزيون، أبرزهم صلاح السعدني، وهشام سليم، وآثار الحكيم...
كل هؤلاء وجدوا في عكاشة طوق النجاة لتقديم نصوص درامية مغايرة، اهتم صاحبها برصد المتغيّرات التي طرأت على المجتمع المصري في الربع الأخير من القرن العشرين. اهتم عكاشة بالدعوة إلى الحفاظ على الهوية المصرية، وكانت لميوله الناصرية دور كبير في جماهيرية أعماله التي اقتربت من مزاج الشارع المصري والعربي. إلى جانب ذلك، امتلك قدرةً فائقة ـــــ ساعده عليها المخرجون الذين عملوا معه، وخصوصاً إسماعيل عبد الحافظ ـــــ على تقديم دراما جذّابة لا تعتمد الفكر فقط، بل تحمل كل عناصر «الفرجة الممتعة». كما صنع شخصيات عدة لا تزال عالقة في أذهان الجماهير وتُعدّ الأبرز في مشوار من جسّدوها على الشاشة. ويُعدُّ مسلسل «الشهد والدموع» (1983) البداية الحقيقية لعكاشة.
لكنه بلغ قمة المجد التلفزيوني مع «ليالي الحلمية» (1987) الذي استمر خمس سنوات، وكان نقطة تحوّل في مشوار كل من شاركوا في بطولته. وهو المسلسل الأكثر إعادة الآن على الفضائيات العربية رغم مرور عشرين عاماً على إطلاقه. ويعدّ عكاشة من أكثر الكتّاب الذين عبّروا عن سحر الإسكندرية، رغم أنه ليس من أبنائها، لكنّه اعتاد كتابة كل مسلسلاته هناك.
ميوله الناصريّة زادت من جماهيريّة أعماله واقتربت من مزاج الشارع العربي
وقدّم المخرج الراحل أحد أشهر الأعمال التي تناولت المدينة العتيقة في «زيزينيا» (1997) ولاحقاً مسلسل «أرابيسك» (1992) الأبرز في مشوار صلاح السعدني، وناقش الهوية المصرية بجدية لم تخلُ من الكوميديا المحببة للجمهور. كذلك، قدم لسميرة أحمد أفضل مسلسلاتها للتلفزيون وهو «امرأة من زمن الحب» (1998)، و«أميرة في عابدين» (2002). ولفردوس عبد الحميد والمخرج محمد فاضل كتب «عصفور النار» (1987)، و«ما زال النيل يجري»، و«النوة» (1991). أما لسناء جميل، فكتب «الراية البيضا» (1996)، ولفاتن حمامة مسلسلها الأشهر «ضمير أبلة حكمت» (1990). وقدّم لمحمود مرسي أفضل أعماله «رحلة أبو العلا البشري» (1993). ومن أعماله المميزة أيضاً «كناريا وشركاه» (2003)، و«عفاريت السيالة» (2004)، و«لما التعلب فات» (1999) و«أهالينا» (1997). كما أنجز عدداً من المسرحيات لاقت نجاحاً جماهيرياً مثل «ولاد اللذينة» (2007).
على جبهة السينما، كتب ثلاثة أفلام دارت حول تأثير سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد أنور السادات على المصريين في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. الشريط الأول كان «الهجامة» (1992) لهشام سليم، وليلى علوي والمخرج محمد النجار، الذي رصد تحول اللصوص إلى رجال أعمال. والثاني من توقيع عاطف الطيب هو «دماء على الاسفلت» (1992) لنور الشريف الموظف الأممي الذي يعود إلى القاهرة ليكتشف حالة الانهيار الذي تعرضت له أسرته الصغيرة. أما أهمّ أفلامه فهو «كتيبة الإعدام» (1989) للمخرج عاطف الطيب، وبطولة نور الشريف. وتدور أحداثه حول انتقام أربعة من الشرفاء من شخص فاسد باع رجال المقاومة للإسرائيليين خلال الحرب.
أضف إلى ذلك أنّه كاتب روائي مميز، رغم عدم الاهتمام النقدي بأعماله. وقد كتب في السنوات العشر الأخيرة ثلاث روايات هي «وهج الصيف»، و«منخفض الهند الموسمي»، و«سوناتا لتشرين». كما خاض معارك سياسية ودينية وثقافية عدة، من دون أن تؤثر على جماهيريته في الشارع المصري. هذا الأخير سيتوافد بالتأكيد على مقر العزاء في مسجد عمر مكرم مساء الاثنين ليؤكد صحة القاعدة التي عاش من أجلها عكاشة وهي... «اللي كتب لم يمت».
ورغم نتاجه الكبير، أصدر عكاشة مجموعة مواقف في الفترة الأخيرة أثارت الجدل على الساحة المصرية. ولعلّ أشهرها كانت دعوته إلى حل جامعة الدول العربية وهجومه على عمرو بن العاص، واصفاً إياه بأنّه «من أحقر الشخصيات في التاريخ الإسلامي».