قارب الفنان البلجيكي قضايا حسّاسة في معرضه الأردني. وكان من الطبيعي أن يخيّم الحذر على مشروعه الذي يندرج ضمن جولة في المنطقة تحت عنوان «انطباع، الشرق الأدنى 1»
عمّان ــ أحمد الزعتري
حين دخل الفنان توم بوغارت مستودع «البشيتي» في عمّان لشراء مواد لمعرضه «خَيَار أو خِيار» الذي اختُتم أمس في «غاليري مكان»، تبرّع البائع ليخبره بالعلاقة بين البلجيك والفلسطينيين بعدما علم أنّه بلجيكي. يحبّ بوغارت اللعب على الكلمات، فتتبّع أصل التسمية ليصل إلى أسباب متعددة لتسمية الفلسطينيين «بلاجكة».
لكن بوغارت (1966) اختار لعبة أخرى: استوحى معرضه من هواية رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل في اللعب على الكلمات. حين كان بوغارت يقرأ كتاب «اقتل خالد»، لفته فصل عن شخصيّة مشعل. يسرد الكتاب مواقف عدة، منها رأيه في «خَيَار» توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، ليقول «هذا مش خَيَار، هذا خِيار». التقط بوغارت الفكرة، وكرّس فترة إقامته في الغاليري لطرح تساؤلاته الشخصيّة عن هذا الموضوع ضمن جولته في المنطقة تحت عنوان «انطباع، الشرق الأدنى 1».
يمكن تقسيم معرض «خَيَار أو خِيار» إلى ثلاث مجموعات تحمل جميعها روح السخرية، وربما الخفة التي لا تحتملها قضية مثل «خَيَار» التوطين. هذا ما نشعر به أمام بوستر من 24 خيارة بأعلام أردنية وفلسطينيّة، تختفي الألوان في أحد هذه البوسترات ليبقى المثلث الأحمر في إحالة إلى إشارات للجهات: شرقاً أو غرباً.
الجزء الثاني أقرب إلى العمل التقريري. هنا زرع بوغارت نبات الخيار في بيت بلاستيكي وهجره، ليثبت صعوبة تطبيق هذا الخيار. تستمر السخرية في الجزء الثالث من المعرض، لكنه يدخل هذه المرّة منطقة جدليّة. من خلال أربع قطع سيارات مدهونة بألوان العلم الأردنيّ، يستعين بوغارت ــــ الذي ترك عالم المحاماة عام 2004 ليتفرغ للفن ــــ بمفاهيم حرية التعبير والهويّة والديموقراطيّة وولع الملك الحسين بالسيارات. «أول ما لاحظته في عمّان كثرة سيارات المرسيدس التي تضع عبارة Kompressor، وهي تعني بالألمانيّة «محرّك توربو»، وهذا ما لا ينطبق على معظم تلك السيارات». لذا، اشترى بوغارت هذه العبارة ووزّعها على قطع السيارات بعد دهنها، متعمداً اللعب على الكلمات مرة أخرى. لكنّه لم يوفق هذه المرة في الربط بين مفهومه الشخصي والعمل نفسه. هو، بتوزيع كلمة Kompressor، يحاول الإشارة بتحفّظ إلى ولع الملك حسين بالسيارات، وبالتالي «نيته الحسنة للتطوير الذي لم يؤدِّ إلى ديموقراطيّة حقيقيّة» وذلك من خلال تغيير الكلمات لتصبح Compassionate (تعاطف).

خيارة متعفّنة وعلم أردني = رفض التوطين


أما موقف الفنان الشخصي من التوطين فهي واضحة. في إحدى زوايا المعرض، ترك بوغارت خيارة تتعفّن بعدما رسم عليها العلم الأردني، مشيراً إلى أن الخَيَار الأردني لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ليس مطروحاً بالنسبة إليه.
قد يبدو غريباً على فنان بلجيكي أن يبدي رأيه في مسألة نعتقد أنها تهمنا كعرب فقط، إلا أن الفن عموماً لا يمكن فصله عن السياسة، وخصوصاً في حالة بوغارت. عمل هذا الفنان محامياً ومفوضاً لعدد من المنظمات الدولية التي تعنى باللاجئين كالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، في مناطق حامية مثل رواندا والكونغو. إحدى نتائج هذه الفترة هو معرض Amahoro (تحية بين القبائل تعني السلام) في نيويورك. هذا المعرض ضم عمل «ضجيج أسود» الذي تلتفّ فيه مئات الفئران لتصعد إلى قمة جبل قاتم. وفي المعرض الجماعيّ Live and Active في نيويورك أيضاً، طلب بوغارت من ممثلات أداء دور امرأة تفشل في تفجير نفسها في نيويورك في فيديو «كعكة طروادة».
يتحدّث بوغارت عن مشاهداته في الأردن بحذر. يخبر أصدقاءه الجدد أنه قرأ مقالاً في «نيويورك تايمز» عن مهرجان للكوميديا منع فيه الممثلون من الاقتراب من «الخطوط الحمر»، أي «المقامات العليا (الملك)، والجنس والمخدرات» ويجد هذا الأمر «مثيراً للاهتمام».
الحذر هذا التفّ حول معرضه «خِيار أو خَيَار» رغم مقاربته لقضايا ومفاهيم حسّاسة.
www.makanhouse.net