حسين بن حمزة
الطبيعة هي بطلة المعرض الحالي لفاطمة الحاج في «غاليري ألوان». لكن متى كانت الطبيعة غائبة في أعمال هذه الرسامة اللبنانية التي تحولت الطبيعة في شغلها إلى مفهوم متكامل؟ الطبيعة هنا نوع من فن شخصي أو نبرة تشكيلية مفضَّلة. نشاهد لوحاتها الـ41 المنجزة بألوانٍ زيتية على قماش، فنشعر بأن روحاً واحدة تسري فيها. الألوان السعيدة والمبهجة تسود في الأعمال المعروضة. خلطة الأصفر والأحمر والأخضر والأزرق تُحضر مناخات الطبيعة. نقول مناخات للتمييز بين ما نراه وما نعرفه مسبقاً عن حضور الطبيعة في تجارب أخرى. ترسم فاطمة الحاج ما لم يُنكَّل به من البشر، أو ما يتعرَّض لتنسيقات وتعديلات جمالية معينة. الألوان تترجم عذرية أنحاء ومجاهل غير مروَّضة. كأن الهدف هو بلوغ لحظة تأمل صافية مع الكون.

يحضر بشر قليلون في بعض اللوحات، لكنهم ذائبون في الطبيعة

تتجنب فاطمة الحاج المدينة. تعيش وتعمل في بيروت، لكنها تنتظر الصيف وأيام العطلة كي ترسم في منطقة الرميلة، هاربةً من ثقل الباطون وضوضاء السيارات والبشر. عرض لوحات تحتفي بالطبيعة داخل صالة في الوسط التجاري للعاصمة هو مفارقة بحد ذاتها. كأن المهرجان اللوني الصاخب يشتغل ضد صخب مديني مطرود من اللوحات. التجريد مخترق أحياناً. يحضر بشر قليلون في بعض الأعمال، لكنهم ذائبون في الطبيعة، ولا يُسمح لهم بتنسيقها أو إجراء تبديلات فيها. سيتنزهون قليلاً ويعودون إلى حياتهم. كأنهم أطياف الرسامة نفسها إذْ تُنجز لوحاتها في حضن الطبيعة قبل العودة الاضطرارية إلى العاصمة. اللون يأتي أولاً في شغل فاطمة الحاج. يُذكِّرنا هذا بمقولة «أنا واللون شيء واحد» لبول كلي الذي كان حاضراً في معارض سابقة لها. كلي وماتيس وغيرهما من الملونين الكبار موجودون في القاموس التشكيلي للحاج، لكن هذه المؤثرات تتحول إلى منجزات شخصية. إخلاصها الفريد للألوان يمنعها من عرض أعمالها داخل براويز. نشعر بأن الألوان والأشكال منفلتة وغير محبوسة.
هكذا، تتأكد وتتعزّز صفة الجموح والعذرية في الطبيعة المرسومة. ثمة طموح لإحضار الطبيعة كما هي. الأرجح أن هذا يبرر الحضور الأشعث والفطري والغرائزي للألوان. كأن الرسامة غير مكترثة بالذوق التقليدي لمقتني اللوحات، فلا تبذل أي جهد يخص الجانب التسويقي لعملها.


حتى 10 نيسان (أبريل) ــــ «غاليري ألوان» (وسط بيروت) ــــ للاستعلام:01/975250