جسد وحرب وتدوين وسوريا «أندرغراوند»سناء الخوري
«نعم، كتابة الرواية تُعلَّم»، تجزم نجوى بركات. الروائيّة اللبنانيّة التي أدارت محترف «كيف تكتب رواية» مع «دار الساقي»، ضمن احتفالية «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، تعود بنا إلى جذر السؤال التقليدي الذي يدفعنا عموماً إلى التشكيك في إمكان نقل حرفة الكتابة. تقول «في مجتمعنا العربي، الكتابة مرتبطة بالكتاب وبالوحي. لذا، نحيط اللغة والنصّ بهالة من القدسيّة».
صاحبة «باص الأوادم» التي خاضت تجربة إدارة المحترفات الإبداعيّة في الخارج، كانت مهووسة لسنوات بفكرة تنفيذ محترف إبداعي عربي، وجاءت «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب» فرصةً لتحقق مشروعها. المحترف كان بابا لهم يؤرّق بركات: «هناك نقص حقيقي في نقل الخبرات من جيل عربي إلى آخر». خاضت بركات التجربة مع رشا الأطرش، ورنا نجار وهلال شومان من لبنان، ورشا عباس من سوريا. بدأ كلّ شيء في ربيع 2009، حين جاءت الأديبة اللبنانيّة بفكرة إقامة محترف للكتابة يحتضن بعض الأقلام الشابة وتبنّت «دار الساقي» الفكرة، على أن تتولّى نشر الرواية الفائزة في نهاية المطاف. وتهافتت مشاريع الروايات من لبنان والعالم العربي ما إن أعلن عن المحترف. قبل الورشة الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كان خيار لجنة التحكيم، المؤلفة من نجوى بركات و«دار الساقي» وممثل عن «بيروت عاصمة ...»، قد رسا على ستّة مشاريع.
ثمّ انطلقت مغامرة «تشييد العمارة الروائيّة»، كما يحلو لبركات وصفها: «حاولتُ أن أنقل المشاركين من منطقة الفكرة والأيديولوجيا، إلى فعل الكتابة الحقيقي. حاولت مساعدتهم ليجدوا صوتهم». صاحبة «لغة السرّ» التي تعمل الآن على تعريب «مفكرة» ألبير كامو بأجزائها الثلاثة، ستعلن عن الفائز في محترف «كيف تكتب رواية»، عند السادسة من مساء 14 نيسان (أبريل) الجاري خلال حفلة، يليها توقيع العمل المتوّج.
نقل المشاركين من طور الفكرة إلى فعل الكتابة
بغضّ النظر عن فكرة المباراة، ستكون حصيلة المحترف أنّه أتاح للجمهور فرصة لاكتشاف طاقات روائيّة جديدة، بعدما ندر وجود الأعمال السرديّة الشابة على رفوف المكتبات اللبنانيّة. «من غير الطبيعي أن يكون الروائيّون الشباب في بيروت معدودين على الأصابع »، كما يقول هلال شومان. الشاب القادم إلى محترف الرواية من فضاءات التدوين والهندسة والصحافة المكتوبة، يكتب قصّة هيثم: بين الحمرا والسوديكو والجامعة الأميركيّة ونيويورك، نتابع يوميات شاب عشريني يستيقظ ذات يوم مع آلام تمتدّ على كامل جسده. الجسد يحتلّ مساحة كبيرة في رواية رشا الأطرش. بطلتها غادة، عاملة في متجر لبيع مستحضرات التجميل، تحاول تركيب حياتها بعيداً عن مسالك أمها وخالتها وأختها. الصحافيّة الشابّة في جريدة «السفير» تنجز هنا مشروعاً شخصياً، لا من حيث المواضيع والشخصيات، بل كفعل فردي بامتياز. «لا أحبّذ التعامل مع العمل الروائي بما سيضيفه إلى المشهد العام، بل كحالة قائمة بذاتها»، تقول الأطرش.
من جهتها، بقي على رنا نجار أن تكتب المشهد النهائي من رحلة ريم وجاد إلى مخيّم كشفي. أحداث الرواية غير الناجزة التي توقّعها الصحافيّة في جريدة «الحياة» تدور في بيروت الطالعة من الحرب الأهليّة أوائل التسعينيات. بلغة طفوليّة، تحكي نجار التناقضات السياسيّة والاجتماعيّة في لحظة مفصليّة من تاريخنا المعاصر. أما رشا عباس، فقد انسحبت من السباق قبل إنجاز روايتها «تكنو» التي تدور حول عالم الأندرغراوند في سوريا، بين «التاتو» و«الحشيش». «انسحابي خيار ذاتي جداً ـــــ تقول الكاتبة السوريّة الشابّة ـــــ فضلت أن أنجز باكورتي وحدي، بعيداً عن صيغة المحترف والمحرِّر». إحدى الروايات الثلاث الباقية إذاً، ستبلغ الشوط النهائي. صاحبة الحظّ السعيد يعلن عنها يوم الأربعاء، وتكون في اليوم التالي على رفوف المكتبات، تحت لواء واحدة من أنشط دور النشر العربيّة. تفكّر «دار الساقي» «في تحويل التجربة إلى تقليد ثابت، يهدف إلى اكتشاف الروائيين الشباب»، بحسب مديرة التحرير رانيا المعلّم. أمّا نجوى بركات فترى أنّ فضلها على الورشة كان في دفع المشاركين إلى فتح طاقة على أعماقهم: «أن تكتب رواية معناه أن تفتح تلك النافذة في معدتك بحثاً عن أشيائك الدفينة».