رغم مرور عشرين عاماً على المرسوم الوزاري الجزائري الذي سمح بإنشاء صحف مستقلة، لا يزال وضع الحريات الإعلامية متدهوراً، وخصوصاً حين يتعلّق الأمر برسّامي الكاريكاتور
الجزائر ـ سعيد خطيبي
أحيت الجزائر أخيراً الذكرى العشرين لإصدار المرسوم الوزاري 07ــــ90 الذي فتح الباب أمام إصدار صحف مستقلة، وبالتالي منح تراخيص تأسيس الصحف الحرّة. لكنّ هذه الذكرى حلّت وسط مجموعة من الآراء المتباينة تناولت أهم المكاسب وأيضاً العثرات التي واجهت الصحافة المستقلة طيلة السنوات العشرين الماضية.
مدير جريدة «الوطن» عمر بلهوشات يقول «في وقت تمنح كلّ دول العالم ثقتها للصّحافة، تبقى الجزائر وحدها الاستثناء»، في إشارة إلى تقهقر واقع الحريات الإعلامية في البلاد، وفق أغلب التقارير السنوية التي تصدر عن المنظمات غير الحكومية.
ولعلّ السبب الرئيس الذي يقف خلف تدهور وضع حرية الإعلام في الجزائر هو اتساع دائرة الرقابة التي لم يعد يقتصر دورها على الاعتقالات والمساءلات البوليسية فقط. بل تعدّدت مهماتها وتنوّعت وبلغت حدّ التضييق على مختلف وسائل التعبير المعروفة، بما في ذلك الرقابة على الرسومات الكاريكاتورية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في الصّحافة الجزائرية. إذ لا نكاد نجد يومية أو أسبوعية (يتجاوز عددها الإجمالي الـ53 مطبوعة) لا تعرض رسماً كاريكاتورياً فوق صفحاتها.
واجه علي ديلم أكثر من خمسين دعوى قضائية إلى جانب فتوى صدرت ضدّه
والهدف من إدراج هذه الرسومات في الصحف، هو الرغبة في منح القارئ مساحة تسلية والاطلاع على التطورات الراهنة من خلال وسيلة ساخرة، تبتعد عن نمطية الكتابة. واستطاع الكاريكاتور تدريجاً، تجاوز المفهوم الكلاسيكي، وصار يمثِّل أحد الأركان الأكثر جاذبية، والأكثر إثارة لانتباه القارئ. وباتت بعض الصحف، تُقرأ من خلال رسوماتها. كما تعدّت شهرة بعض الرسامين، حدود البلاد، على غرار علي ديلم، وأيوب، وHic، وباقي، وسوسة وغيرهم...
يعتقد Hic الذي عمل سابقاً في أكثر من ثلاث صحف جزائرية أن «الإيمان بحرية التعبير في الجزائر يقترب من الإيمان بالوهم»، لأنّ الواقع المعيوش يكشف عن استمرار محاولات الضغط على حريات التفكير والممارسة بالنسبة إلى رسامي الكاريكاتور. وقد تعرّض كثيرون منهم إلى عمليات تكميم رسمية إلى جانب الملاحقات القضائية. ومن بين هؤلاء أيوب وديلم. ووصل عدد الدعاوى القضائية بحق هذا الأخير إلى حوالى خمسين دعوى خلال مسيرته المهنية الممتدة على عشرين سنة، إلى جانب صدور فتوى إسلامية ضدّه عام 2004. ويتذكر الرسام الجزائري الذي عمل في جريدة Liberté، أيام كان «يتوجّه أسبوعياً إلى المحكمة ويجلس في قاعة الانتظار مع جميع أنواع المنحرفين، من الثامنة صباحاً حتى الخامسة بعد الظهر».
من جهة أخرى، يتذكر الجزائريون أسبوعية El Mounchar التي ظهرت في مطلع التسعينيات، واحتضنت فوق صفحاتها أهم رسّامي الكاريكاتور، ونالت شهرة واسعة، تجاوزت كل الصّحف الأخرى. وبلغ سحبها آنذاك عتبة الـ200 ألف نسخة، قبل أن توقف، بداية عام 1992. والحالة نفسها عاشتها أسبوعية Epoque الساخرة التي ظهرت، مع بداية الألفية الجديدة، قبل أن تختفي سريعاً. ما يؤكد القدرة التأثيرية التي تمتلكها الرسومات الكاريكاتورية في الجزائر... ما يجعلها الأكثر عرضةً لسهام النظام.