دمشق ــ خليل صويلحأينما اتجهنا بمشيئة الـ«ريموت كونترول»، سننتهي إلى محطة تلفزيونية تبثّ مسلسلاً أجنبياً مدبلجاً إلى العربية. لم نعد مكسيكيين فقط، كما هي الحال منذ سنوات، بل صرنا أتراكاً وهنوداً وأميركيين. وآخر المفاجآت، أن تجد مسلسلاً هندياً باللهجة الخليجية. هكذا تتحول قصص الغرام الهندي إلى وله مشبوب على الطريقة الكويتية. وإذا بالتراجيديا الهندية تنزلق إلى أقصى حالات الكوميديا السوداء.
من جهتها، غزت اللهجة السورية العالم العربي عبر الدراما التركية. وها هي المحطة الجديدة «تي أر تي التركية» التي تبثّ بالعربية، تعيد تصدير المسلسلات التركية باللهجة السورية، في عملية تبادل معكوسة. الأفلام الأميركية لها حصة أيضاً من لغة «الرجل المريض»، وإذا برجل البوليس الأميركي في أحد هذه الأفلام يحقق المعجزات في مغامرات خارقة بالعربية الفصحى. ولكن من سيقنع المشاهد العربي بأن ما يحدث «لغوياً»، يمكن أن يحصل في الواقع أو على الشاشة؟
هناك إذاً حصار فضائي من الجهات الأربع لاستقطاب المشاهد العربي، سواء بالفصحى أو بالعامية، فيما أخذ مقدّمو البرامج في المحطات العربية «يرطنون» بلغات أخرى بما يشبه «طبق الفتوش»: كلمة عربية وأخرى إنكليزية، وثالثة فرنسية، ورابعة إيطالية. إحدى المذيعات ودّعت مشاهديها بكلمة «تشاو»، متجاهلةً الدعوات الحثيثة والمؤتمرات المتلاحقة لتمكين العربية.
لا شك في أن المشاهد العربي يعيش اليوم مأزقاً مزدوجاً، وحيرة حقيقية في تكوين شخصيته، وسط تلاطم أمواج المحطات الأجنبية التي تبث باللغة العربية. عدا «الحرّة»، هناك«روسيا اليوم»، و« بي بي سي» العربية، و«فرانس 24»، و«العالم» الإيرانية، و«الكورية»... فيما تستعد الصين لإطلاق محطة بالعربية. إنه هجوم مركّز على تركة «الرجل المريض»، لاقتسام الكعكة في وضح النهار، كنوع من احتلال جديد للعقل العربي المغيّب، ثقافياً في الدرجة الأولى، وخصوصاً أن الفضائيات العربية غارقة في توزيع الفتاوى وأغاني الفيديو كليب جنباً إلى جنب، وإعادة إنتاج التخلّف في مسلسلات طويلة، فيما تسعى المحطات الوافدة إلى لغة خطاب جديدة لتكوين وعي عولمي يضع المشاهد العربي فوق أرض مهتزّة، وجغرافيا غائمة تتناهبها «العمامة والقبعة». بالطبع، فإن هذه المحطات لا تتوقف عند حدود تصدير السلع الاقتصادية، وهي في صلب اهتماماتها بالتأكيد، إذ تتجاوز ذلك إلى تصدير ثقافة هجينة، لا شك في أنها تجد أرضاً خصبة لامتصاصها، في غياب خطاب عربي عقلاني عن معظم الفضائيات العربية.
تبعاً لهذه التوجهات، فإن التنافس يتجاوز تسويق الأجهزة الإلكترونية وماركات السيارات الكورية، أو البقلاوة التركية والكباب، أو الهامبرغر الأميركي، إلى تكوين هوية جديدة للمنطقة. والفرصة متاحة، ما دام الخطاب التلفزيوني العربي ـــــ الرسمي على نحوٍ خاص ـــــ غارقاً في إقناع مشاهديه بأنهم يعيشون في جنّة الديموقراطية!