عمر بشير: هذا ليس تطبيعاً



نجل معلّم العود العراقي منير بشير، يدافع بشراسة عن مشاركته في مشروع «القدس مدينة السلامين» الذي يصفه بالخطوة الراقية... ذلك أنّ الفنّ «لا علاقة له بالسياسة والحروب»!

وسيم إبراهيم
لا ينكر عمر بشير (1970) أنّ بعض من يشاركهم العزف يحملون الجنسية الإسرائيلية. «ما ذنبهم إن كان قدرهم الولادة في حضن الاحتلال، طالما أنّ «الواحد منهم يقول أنا يهودي عراقي أو يمني، لا يهودي إسرائيلي؟»، يتساءل عازف العود العراقي. تبادره بالقول إنّ كثيرين من يهود إسرائيل من أصول عربية، وبعضهم مجرمو حرب. فيعود ليدافع عن رأيه مذكّراً أنّ الفلسطينيين المشاركين في «القدس مدينة السلامين» يسافرون بجوازات إسرائيلية.

نجل منير بشير، الرائد العراقي في تطوير تقنيات عزف العود، يقدّم في الاحتفالية بعض التقاسيم. هو لا يبدي أيّ أسف على مشاركته مع عازفين إسرائيليين في «القدس مدينة السلامين». يؤكّد أنّه بفعل إقامته الدائمة في بودابست، سيلتحق بالمجموعة نفسها خلال جولاتها القادمة. هل سيفعل ذلك رغم الاعتراضات؟ ترتفع نبرته ويردّ بطوباويّة مقلقة: «أرفض أن يملي عليّ أحد ما ينبغي فعله، ويقال لي: لا تعزف مع فنان أصله يهودي عراقي أو مصري. الفن لا علاقة له بالسياسة والحروب».
نعود لنذكّره أننا نفرّق بين اليهودي والإسرائيلي. لكنَّه يذهب «أعمق» من ذلك، فيقول إنّ علاقته الشخصية بالعازفين الإسرائيليين «أكبر من النقاش حول من هو الإسرائيلي ومن هو العربي». نسأله ألا يخشى اتهامه بالتطبيع الثقافي؟ فيرفض السؤال جملة وتفصيلاً: «لا أعتبر هذا تطبيعاً. أتيت لأقدّم فني وبلدي وآلتي الموسيقية. هذا أفضل من أن يفعل ذلك عازف إسرائيلي، ويدّعي أنّ العود من اختراعه». نحاول أن نتبعه في هذا المنطق الغريب، ولكن سدى.
يطمئن العازف العراقي كلَّ القلقين من مشاريع التطبيع، إلى أنّه متيقِّظ لها. كان شرطه الأول للعمل في مشروع جوردي سافال «ألّا يكون لإسرائيل علاقة بالموضوع». ويضيف «لو أحسست أنّهم يهدفون إلى شيء مشبوه، لتركت المشروع». لا نعرف إن كان بشير قد سمع آراء المايسترو الإسباني عن العنف المتبادل وغيره. لكنّه يذكّرنا دوماً بـ«حدوده الأخلاقية الصارمة»، وبأنّه رفض عرضاً لتدريس الموسيقى في إسرائيل مقابل مليون دولار. يقول ساخراً: «هذا المبلغ لن أجمعه عند العرب في مئة ألف سنة. لكن يستحيل أن أضع رجلي في إسرائيل طالما فلسطين محتلة». نشكره على هذا النبل الوطني الكبير.

هل من فنان عربي نجح في الغرب من دون أن يشتغل مع اليهود؟ (ع. ب.)
ربما كان علينا، من باب الاطمئنان إلى الصمود على جبهة التطبيع الثقافي، أن نطّلع أكثر على أفكار بشير الابن في هذا المجال. حين تخوض معه في تحديد التطبيع وخلفياته، يجيب: «اليهودي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، قد يحتجّ علينا بدوره، ويقول: أنتم تقومون بتطبيع عربي»! بعد ذلك يكشف أن الاختيار وقع عليه للمشاركة في المشروع بعدما رفض عازف مصريّ العرض نفسه! ويضيف إنّ «عازف عود يهودياً» هو الذي زكّى مشاركته في «القدس مدينة السلامين»، معقِّباً أنّ خدمة مماثلة «ما كان ليسديها عازف عربي. العدو ينفعك أكثر من القريب أحياناً». واضح أستاذ عمر!
لا يصرّح بشير باسم العازف الذي اقترح اسمه للمشاركة، فهل يكون يائير دلال الذي يشاركه العزف؟ هذا العازف الإسرائيلي ترعرع في مستوطنة «كريات شمونة»، وهو مولود لعائلة يهودية هاجرت من العراق. وكان دلال واحداً ممن يتخذهم شالوم كوهين، السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة، مثالاًً حين يشير إلى «إنجازاته» في مجال التطبيع الثقافي. في أحد أحاديثه، أشار كوهين (وهو من أصول تونسية) بفخر إلى الحفلة التي أقامتها السفارة الإسرائيلية لدلال في أحد فنادق القاهرة عام 2007.
يغضب عمر بشير من إصرارنا على طرح إشكاليّة التطبيع. ويبقّ البحصة: أتحدّاك أن تذكر لي اسم فنان عربي واحد، حقّق نجاحاً في الغرب وبلغ العالمية، من دون أن يشتغل مع اليهود»! نستشفّ في هذا التعميم بذرة لاساميّة، لكنّ بشير الابن لا يتراجع: «فلتنشر كل الصحف العربية كلامي، ليتنا كعرب ننجز مشروعاً فنياً راقياً مثل مشروع جوردي سافال». ثم يأتي مسك الختام: «العمل مع يائير دلال وزملائه... أشرف من رؤية هيفا وهبي على التلفزيون»!