الجزائر ــ سعيد خطيبي حين عاد كاتب ياسين (1929 ــــ 1989) إلى الجزائر مطلع السبعينيات، متعباً من رحلات النضال عبر فلسطين وفيتنام، كان قلبه الصغير ينبض بالهموم والأحلام. كان يعتقد أن جزائر ما بعد الاستقلال ستصير بلداً يؤمن بحرية الأفراد، وخصوصاً بعدما التمس بوادر الانفتاح، حين ساعدته وزارة العمل عام 1973 على تأسيس فرقة مسرحيّة في الجزائر العاصمة، قدّم من خلالها أوّل أعماله. لكن أوهامه تبدّدت بسرعة، بعدما قررت السلطة عام 1975 (في عهد الرئيس الهواري بومدين) نفي مسرح ياسين خارج أسوار العاصمة، ونقله إلى سيدي بلعباس (غربي الجزائر). هناك، واصل صاحب «نجمة» (1956) المقاومة والاستفزاز، مبلوراً تجربة استثنائية في مسار المسرح الجزائري والعربي. كل ذلك حاول جيلالي خلاص استعادته بأمانة، عبر شريطه الوثائقي «الوطن في القلب» الذي عُرض أخيراً في «سينماتيك زينات» في الجزائر العاصمة.
على خلاف العديد من الأفلام التي تناولت مسيرة ياسين، يحدّد «الوطن

فيلم جديد بتوقيع جيلالي خلاص يعيد الاعتبار إلى صاحب «فلسطين المخدوعة»
في القلب» زاوية الطرح في المسرح الذي يتحدث عنه كاتب ياسين على أساس أنّه «الفن الأكثر قرباً من الجماهير». كان يؤمن بأن الفن الرابع قادر على نقل هموم الأفراد، وخصوصاً إذا امتزج بالجرأة والوعي. وهما نقطتان سببتا مشاكل كثيرة لكاتب ياسين. منعت أعماله على التلفزيون، وتلقى وابلاً من الانتقادات عقب عرض «محمد خذ حقيبتك» (1973) التي اعتبرها بعضهم بفعل قراءة مبتورة، مسرحية ضد الإسلام في الجزائر.
ينقل سيناريو الشريط آراء فنانين ونقاد ومسرحيين عاصروا كاتب ياسين، استناداً إلى محور سرد كرونولوجي ينطلق من عام 1954، ثم عام 1955 حين نشر كاتب مقتطفات من نص مسرحية «الجثّة المطوقة» في مجلة Esprit الفرنسية، قبل أن تُعرض سراً في بروكسل، إثر امتناع المسارح الفرنسية عن عرضها بحجّة تضمنها خطاباً معادياً للكولونيالية. يؤكّد بن عمر مدين أن «مسرح كاتب ياسين مسرح سياسي». أما الناقد مخلوف بوكروح فيتوقّف عند «قوة النص والحوار» كأهمّ أساساته، وذلك ما نلاحظه في مسرحيات عديدة مثل «فلسطين المخدوعة». ويرى الكاتب والأكاديمي أحمد شنيقي أنّ «مسرح ياسين تعرّض لبعض التهميش»، لأنّ أهم مسرحياته كُتبت باللغة العامية التي دافع عنها ياسين باعتبارها اللغة الأكثر حميمية في التخاطب مع المجتمع. ارتبط اسم كاتب ياسين، طويلاً بالرواية، وخصوصاً بـ«نجمة»، بينما أُغفلت تجربته المسرحيّة التي امتدّت ثلاثين عاماً.