بشير صفير
يدعو مهرجان «ليبان جاز» الفنان التونسي ظافر يوسف للمرة الثالثة، بعد حفلتين في 2004 و2008. تأتي هذه الزيارة ضمن الجولة الخاصة بألبوم يوسف الجديد Abu Nawas Rhapsody الذي صدر في شباط (فبراير) الماضي. في جديده، يبتعد ظافر يوسف عن بداياته عبر إلغاء الجانب الإلكتروني والكهربائي الذي اشتهر به. يعتمد تركيبة رباعية تشارك كاملة في الأمسية المرتقبة، وتضمه كعازف عود ومغنٍ إلى تيغران همسيان (بيانو)، كريس جنينغز (كونترباص) ومارك غويليانا (درامز).



من "Khamsa"







غير أن هذا التبديل لم يقِه تكرار نفسه في الشق الموسيقي المتعلق بأدائه الصوتي/ الغنائي ونَفَسِه في التلحين. يوسف الذي حقق في خطه الموسيقي تمايزاً عن كل التجارب الموسيقية الحديثة، يبدو أنه عَلِق إلى حد ما في أسلوب لفت الآذان وبهرها منذ سنوات، لكنه بات مستهلكاً بعد استنزافه من خلال الإسهاب في الاعتماد عليه مرة تِلوَ الأخرى. ونقصد أولاً ذاك الانتقال الدائم والمفاجئ من الطبقة المنخفضة والنبرة الجهورة إلى الحدود المقابلة في الطبقة العالية والنبرة الثاقبة. لقد أشرنا سابقاً عند تناولنا تجربة الموسيقي التونسي إلى أنه لم يبتكر أي عنصر فني جديد في تجربته (العزف على العود، الابتهال الديني، الموسيقى الإلكترونية). غير أن المزيج كان جديداً، وقابلاً لأن يؤسِّس لمشروع متمايز. لكن الدوران الدائم حول التطريبة ذاتها في الفضاء ذاته، والبناء اللحني على مقامَيْن شرقيين
لا يزال العازف تيغران همسيان بعيداً عن روح الجاز الحقيقية
أساساً، الحجاز والنهاوند (تحديداً في النصف الأول من الأسطوانة وفي ختامها)، يجعلان من الألبوم الجديد مادّة مستنسخة جزئياً عن تجارب سابقة («صوفية إلكترونية»، «نبوءة رقمية»...) هكذا بات مملاً ما كان جميلاً وجديداً في النتاج القديم لظافر يوسف.
من ناحية أخرى، اختار ظافر يوسف نصوصاً من عند أبي نواس، فأداها غناءً وابتهالاً وقولاً، لتمثّل الجزء الأكبر من الأسطوانة الجديدة إلى جانب بعض المحطات الآلاتية. أما المرافقة الموسيقية لعازف البيانو تيغران همسيان (الذي قدّم منذ أشهر الأمسية الأكثر استعراضية في ليبان جاز»)، فلم تساعد إيجاباً، إذ لا يزال العازف الشاب بعيداً كل البعد عن روح الجاز الحقيقية. لمسَته في الأداء غير مستحبة في الجاز الكلاسيكي الصارم القواعد، الذي لا يعتمد بالدرجة الأولى على المهارات التقنية والمبالغة والمفاخرة في إبرازها. وإذا كان لا بدّ من وصف للقوالب الموسيقية في الأسطوانة، فالأمر محصور بالجاز الأوروبي الحديث (الخفيف منه)، والـ«فيوجن» مع الإصرار على تغليف المادة بمؤثرات الصدى الصوتي دائماً، واللجوء إلى الـgroove المستهلك أحياناً.