بوطاجين خائب والزاوي يكره المعربينالجزائر ــ سعيد خطيبي
تسير الحياة في الجزائر، ببطء... قد يكون بطيئاً جداً أحياناً. اليأس الذي اجتاح عقول الشباب، ودفعهم إلى الارتماء في قوارب «الحراقة» (أو قوارب الموت) طال الأبراج العاجيّة، وكشف عن خيبة قاطنيها من مثقفين وكتاب... هذا ما أماط اللثام عنه السعيد بوطاجين (1958)، في رسالة خيبة نشرها أخيراً في جريدة «الخبر الأسبوعي»، وعنونها «رأس المحنة».
الكاتب والأكاديمي والمترجم الجزائري، معروف بشخصيته الرزينة وكتاباته المستفزة. عرفناه من خلال مجموعاته القصصيّة «ما حدث لي غداً»، و«أحذيتي وجواربي وأنتم»، ومن خلال تعريبه روايتي «الانطباع الأخير» لمالك حداد و«نجمة» لكاتب ياسين... خاض الرجل في العقدين الماضيين تجربة أدبية إبداعية غنيّة، ودرّس في عدد من الجامعات الجزائرية، قبل أن يجد نفسه في طريق مسدود. «أتساءل دائماً عن جدوى الكلام في حيز لا يولي أهمية للعقل والفنون والآداب والبحث»، يكتب في رسالته. ويواصل صاحب «اللعنة عليكم جميعاً»: «هل أكتب للظرف؟ أم لهذا الممكن البعيد؟ أم لذلك الشيء البائس الذي يسمّى المستقبل: مستقبلنا، أو أي مستقبل ونحن نعيد إنتاج الفتن بالأبيض والأسود أيضاً، نحن الذين نرى الغراب حمامة والعنزة غراباً».
حالة من الضياع وافتقاد الطموح سكنت عقل السعيد بوطاجين الذي تحدث مخاطباً الروائي عبد العزيز غرمول: «يحدث لي دائماً ألّا أجد منفذاً إليّ من كثرة أبي لهب، لذلك، أسكت، أسكت لأني أعيش حالة إحباط وقلق وتصدّع وخراب».
الروائية يمينة مشاكرة ترقد في المستشفى، وسط الصمت واللامبالاة
من جهته، صبّ الروائي أمين الزاوي غضبه على المثقفين المعربين في الجزائر، ومن بينهم السعيد بوطاجين، واصفاً إياهم «بالكسل». وفي جريدة «الشروق اليومي»، كتب أن فصيلاً من «المثقفين المعربين يعيش على فتات موائد السلطة المتعاقبة على البلاد بانتهازية كبيرة وبتقلبات أيديولوجية خطيرة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار». واتهم الزاوي المثقف الجزائري المعرب بأنّه تولّى دوماً مهمّة «التزويق» و«التبرير» للسياسيين. لكنّ صاحب «شارع إبليس» تناسى أنّه كان موظفاً في حكومة بلعيد عبد السلام، وشغل منصب مدير «قصر الثقافة في وهران» قبل أن يُقال. ثم عيّن مديراً لـ«المكتبة الوطنية الجزائرية»، بقرار من الوزيرة خليدة تومي التي أقالته، قبل سنتين. ثمّ تحوّل فجأة إلى المساهمة في كتابة أعمال بعض السياسيين، وخصوصاً الناشطين في «حزب جبهة التحرير الوطني» (الحزب الحاكم)، على غرار مقدمته في كتاب «اخرجوا منها أنتم» للنائب والقيادي السياسي محمد بوعزارة... فما الفرق بينه وبين الذين يتهمهم بالتواطؤ مع السّلطة؟
في مقالته ذات النبرة التهجميّة، قال الزاوي إنّه لم يسمع «بمثقف معرب جاد في بلادنا الواسعة هذه أطلق مشروعاً ثقافياً متيناً». صاحب رواية «وليمة الأكاذيب»، لم يخفِ إعجابه بالمثقفين الفرنكفونيين في الجزائر، داعياً إلى اتخاذهم قدوة. ثمّ اختتم كلامه بالتبرؤ من تعريبه رواية ياسمينة خضرا «بمَ تحلم الذئاب؟».
هذا الوضع من الصدامات المبنية على تسوية قضايا شخصية صار سمة رئيسية في المشهد الثقافي في الجزائر. أمرٌ دفع بكتّاب كثيرين إلى إعلان سخطهم، على غرار الكاتب والروائي يوسف زيرم الذي قرّر الاستقرار نهائياً في فرنسا، والابتعاد عن الأجواء المكهربة، والحساسيات الجهوية. الحال نفسها يعيشها الناقد والمفكر شريبط أحمد شريبط، وسط حالة من التشظي والحروب الداخليّة.
في ظل كل هذا، ترقد الروائية يمينة مشاكرة في المستشفى، وسط حالة من الصمت واللامبالاة. المرأة التي قال عنها كاتب ياسين «إنها تزن باروداًَ»، وأثرت المخزون الروائي الجزائري على مدى جيلين من خلال أعمال كـ«المغارة المتفجرة» (1975) و«آريس» (1997)، تجد نفسها في الوقت الراهن، مهدّدة بالتشرد في الشارع.