بعد النجاح الكبير الذي حقّقته «قولي بحبّني»، عاد الفنان اللبناني بأغنية أكثر ذكوريةً. «جمهوريّة قلبي» أثارت غضب بعض الناشطات اللواتي دعون إلى تجمع يقام الأسبوع المقبل احتجاجاً على الأغاني والإعلانات المسيئة للمرأة
ليال حداد
في وقت تخوض المرأة معارك يومية في سبيل وقف التمييز ضدها، وتحصيل الحدّ الأدنى من الحقوق، خرج علينا محمد اسكندر قبل أسابيع قليلة بأغنيته الجديدة «جمهورية قلبي» التي احتلّت المراتب الأولى على الإذاعات.
وفي وقت لا تزال المرأة تناضل لمساواتها مع الرجل في القانون والحياة السياسية، و... سوق العمل، تنافست الإذاعات اللبنانية على بثّ أغنية تدور كلماتها الرئيسية، حول أهمية تكريس المرأة حياتها في خدمة الرجل الذي تحبّ.
إذاً، محمد اسكندر يضرب من جديد. بعد أغنيته «قولي بحبّني» التي عبّر فيها عن عشقه لحبيبته من خلال منعها من التعاطي مع رفاقها الشباب وتهديد كل من يقترب منها بالقتل، ها هو يواصل مسيرته الفنية على الدرب نفسه، لكن بجرعات ذكورية إضافية هذه المرّة.
تقول كلمات «جمهورية قلبي» التي كتبها فارس إسكندر ، ابن محمد إسكندر، ولحّنها سليم سلامة: «نحنا ما عنّا بنات تتوظّف بشهادتها/ عنّا البنت بتدلّل كل شي بيجي لخدمتها/ حقوق المرأة على عيني وعراسي، بس يا ريتك بتراعي إحساسي/ وشو هالوظيفة اللي بَدّا تفرّق ما بيني وبينك/ يلعن بيّ المصاري بحرقها كرامة عينك/ شغلك قلبي وعاطفتي وحناني/ مش رح تفضي لأي شي تاني»!
وتتابع الأغنية في المقطع الثاني بالقول: «شيلي الفكرة من بالك أحلالك/ ليش بتجيبي المشاكل لحالك/ تَ نفرض بقبل تشتغلي/ شو منعمل بجمالك/ بكرا المدير بيعشق وبيتحرّك إحساسو/ وطبيعي إنّي إنزل هدّ الشّركة عَ راسو». الرجل المتملّك إذاً، يغار على حبيبته، ويرى أنّ الحلّ الأنسب لتفادي هذه الغيرة، هي جلوس المرأة في المنزل، والاهتمام بمشاعر زوجها.
لماذا تحتلّ هذه الأغاني المراتب الأولى في الإذاعات اللبنانية؟
من جهته، رأى محمد اسكندر في الأغنية استمراراً للنجاح الذي حققته «قولي بحبّني»، كما صرّح في أكثر من مقابلة إعلامية. وربما أيضاً، وجد في كلماتها تعبيراً عن حجم حبّه وغيرته على حبيبته. لكن حتى لو كان ذلك صحيحاً، لا يمكن إغفال أنّ «جمهورية قلبي» تكرّس مباشرة سلطة الرجل على المرأة وتعيدنا إلى زمن الحريم وتلغي وجود المرأة كشريك متساوٍ في الحقوق والواجبات.
طبعاً موجة الإساءة إلى المرأة لم يطلقها محمد اسكندر، بل روّج لها عدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعرب، إن كان من خلال تسليع المرأة ــــ أغاني فارس كرم مثالاً ــــ أو من خلال تصويرها في بعض الأغاني والإعلانات كأم وزوجة فقط لا غير، من دون أي مراعاة لطموحاتها الشخصية.
انطلاقاً من هذا الواقع، دعت الناشطة في جمعية «نسوية» لين هاشم إلى تجمّع يقام يوم الجمعة المقبل، أمام «مسرح المدينة» في الحمرا (بيروت) احتجاجاً على موجة الأغاني والإعلانات المسيئة للمرأة، وبدأت تنتشر كثيراً في الفترة الأخيرة.
«التجمّع ليس موجهاً ضد محمد اسكندر، بل ضدّ كل من يسيء إلى المرأة. لا أصدّق أنه في عصرنا الحالي، هناك من يتعاطى مع النساء بهذه الطريقة. في الستينيات والسبعينيات، لم تكن هذه الأغاني موجودة». وتنتقد هاشم أغاني عديدة تسيء إلى المرأة، بينها أغنية إليسا «عبالي حبيبي» التي تعتبر أنّها تختزل دور المرأة بحلمها بالزواج. كما تشير لين إلى إعلان لأحد المتاجر، حيث تظهر فتاة تحلم بأن تربح جائزة مالية كي تستطيع أن تجد... عريساً.
لا تتوقّع الشابة اللبنانية أن تحشد عدداً كبيراً من المشاركات «أساساً، ليس هدفي أن أجمع ألف امرأة، بل أن أقول لكل من يسيء إلى المرأة إنّ هناك من يخالفك الرأي، وهناك من يرفض ما تقوله».
ورغم هذا الاستياء النسوي من «جمهورية قلبي» وغيرها من الأغاني، يستغرب كاتب الأغنية فارس اسكندر هذه الضجة. يقول لـ«الأخبار» إنّ الأغنية تضيء على مشكلة اجتماعية منتشرة في لبنان، وهي التحرّش الجنسي الذي تتعرّض له النساء في مكان العمل، أو في سيارات الأجرة. ويضيف «الأغنية تتكلّم عن غيرة رجل لديه كرامة وشرف. وتروي قصة الغيرة الموجودة بين أي شريكَين. أنا لست ضدّ عمل المرأة بل على العكس، فهي سند للرجل، لكن أعترض على ما تتعرّض له المرأة في عملها».
ولا يقف اسكندر الابن هنا، بل يذهب أبعد من ذلك حين يقول «المتأذّي الأكبر من الأغنية هنّ بائعات الهوى (!) المرأة التي تقبض مالاً كثيراً جراء عملها (أي الدعارة) ستزعجها الأغنية. في النهاية، هذه تقاليدنا، نحن شرقيون وعرب، نخاف على عرضنا، وعلى شرفنا»!
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها محمد اسكندر موجة اعتراضات على أغنياته. بل سبق أن طالب عدد من علماء الاجتماع بوقف بثّ أغنيته «قولي بحبني» وسحبها من الأسواق، بسبب تحريضها على العنف، و«تشجيعها على ارتكاب جرائم ضد المجتمع وضدّ الفرد»... لكن يبقى سؤال أساسي: لماذا تحتلّ هذه الأغاني المراتب الأولى في الإذاعات اللبنانية؟ لعلّ المشكلة ليست في محمد اسكندر وحده...


ولعت على «فايسبوك»

التحضير للتجمّع أمام «مسرح المدينة» انطلق على موقع «فايسبوك (Joumhouriyet albi & co.: No). واحتدم النقاش بين الأعضاء، فرأى بعضهم أنّ الأغنية طبيعية وهي تعبّر عن حجم الحب الذي يكنّه محمد اسكندر لحبيبته. كما قال بعض الأعضاء إنّ الأغنية تعتبر تكريمية للمرأة. غير أن القسم الأكبر رأى أنّ الأغنية سيئة ومستفّزة للنساء. «ماذا يريدون؟ أن أدفع المال لأتعلّم ثمّ أعلّق شهادتي على حائط المطبخ وأتفرّغ للعمل المنزلي؟» تسأل لين هاشم (الصورة). فيما تنصح أماندا أبي عبد الله، كل من يفكّر بهذه الطريقة، بأن يعيش في أحد الكهوف بعيداً عن الحياة المدنية.