بيار أبي صعبالشعر العامّي مظلوم. نفكّر كلّما أشحنا بوجهنا عن ديوان يرمقنا بنظرة عتاب، منتظراً بصبر فوق أحد الرفوف. لا أن نقرأه، فقد التهمناه فور تسلّمه، بل أن نكتب عنه. كأن هناك حرجاً، حذراً، خوفاً... أو لعلّها قلّة العادة، تجعلنا نؤجل الاحتفاء بالقصيدة العاميّة التي قد تكون من عيون الشعر، كما هو الأمر مثلاً مع طلال حيدر. في مقدّمة ديوانه «سرّ الزمان» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، يعبّر الشاعر اللبناني بمرارة عن هذه المفارقة: «إنني أقترف معصية الكتابة باللغة المحكيّة...». تلك المحكيّة التي أنجبت فؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم... مظفّر النوّاب الذي يهديه طلال إحدى قصائد الديوان، كتب فيها أصفى الشعر، تاركاً للفصحى احتجاجاته المباشرة. المحكيّة هي مرتع سعيد عقل، أفصح شعراء العرب، وميشال طراد الذي أخذ الشعر العامي إلى بلاغة أخرى... إليها أيضاً ينتمي طلال حيدر. في ديوانه الجديد، نستعيد ذلك الصوت الأليف: «الله شو حلوة اللغة/ البتبلّش بسبحان...». شاعر بكلمات قليلة، يفترش الجغرافيا العربيّة، من تدمر وحلب وحوران إلى نجد ومكّة وكربلاء وبغداد. «الصحرا/ عباية رمل/ ومطرّزة بغزلان/ راعي قري بكفّ الدني/ «كل ما عليها فان».
قصيدته ترتكز إلى ديناميّة خاصة، في بنيتها الهندسيّة وقافيتها وإيقاعها، ما يجعل منها «حداثيّة» بامتياز: «بس تفتحي ديكِ/ متل قوس القزح/ ما بين/ قانا وصور/ بتنزل على الدنيي/ شتي/ وبتنتلا البحور». وهي في صورها قصيدة مثقّفة ومركّبة، تأخذ المحكيّة إلى أقصى احتمالاتها. تبدو سرياليّة أحياناً، وتجمع بين الحميميّة والغرابة. اسمعوا: «عيونِك فِيُنْ/ ريحة شتي/ وبمراية الدمع/ شفت الطقس كيف...».