حسين بن حمزةمجموعة «قصائد حب إلى ذئبة» (دار الجديد) للشاعر كريم عبد السلام، هي مثال لائق للحديث عن قصيدة نثر منجزة بمزاج الحياة اليومية وأفكارها ونثرياتها. المعجم المستخدم يومي، والمخيّلة التي تصطاد الصور والاستعارات يومية أيضاً.
السرد متوافر أكثر من الشعر، الاستطراد مستثمر أكثر من الكثافة والاقتضاب. هذا لا يعني أنّ قصيدة الشاعر المصري كسولة أو رخوة. إنها مسترخية على السطح، بينما يتحرك القلق الشعري في الأعماق. لا نجد سعياً محموماً إلى إيجاز العبارات أو محو ما هو قابل للمحو. لكنّ هذا لا يُنقص من الأداء الشعري للقصائد. قد يحبّذ بعضهم تعريض القصائد لحِميةٍ لغوية تُكسبها رشاقة إضافية، إلا أنّ سبل الرشاقة غير محصورة في الاختصار. الرشاقة المستهدفة هنا هي رشاقة المعنى والصور التي تتحصّل من ابتكار مشهديات وتأملات حياتية جديدة أو ملتقطة من وجهة نظر طازجة.
الواقع أن التأملات الحياتية هي المصدر الأساسي والجوهري لما نقرأه. يكتب صاحب «استئناس الفراغ» (1993) قصيدة يومية مخلصة لمتطلّبات الفكر اليومي وشروطه. علينا أن نسارع إلى القول إن هذه المتطلبات والشروط طيِّعة ومرنة وتحتمل حضور السرد والقصّ والاسترسال في القصيدة. لنقرأ في قصيدة «حياة» ما يُحتمل أن يكون أسلوباً شعرياً للنظر إلى الحياة الزوجية: «أريدكَ/ لا أريدُ مزيداً من الأوراق/ لا أريد الكتب تحاصرني/ ولا الكلمات الفصحى على لسانكَ/ أريد عشرة أطفال منكَ/ وأنت تجلس أمام برامج المنوعات وأفلام العنف/ يداكَ على الخلّاط/ وأصابعكَ على أزرار الريموت/ أريدكَ زوجاً بديناً يتثاءب بينما أُلاطفُه/ اضربْني لو تأخرتُ عن إعداد الطعام أو كيِّ قمصانك/ أريد أن أستمتع بالصراخ مثل جاراتي/ وأن أجلس وأبكي على حالي». لولا الزاوية التي تُروى بها لكانت هذه القصيدة حكاية عادية مضجرة.
التأملات الحياتية هي المصدر الأساسي للقصيدة
الشعر هنا يتحقق عبر تقليب الضجر الزوجي واليومي والعودة من ذلك بأفكار وعناصر تصلح لكتابة قصيدة مقنعة. الحياة الزوجية هي واحدة من اقتراحات شعرية عديدة داخل المجموعة. الحب حاضر بقوة. لكنه حبٌّ معاصر يشبه أي شيء آخر يمكن استثماره في حياة الشاعر. لسنا موعودين بقراءة غزلياتٍ تقليدية وإطراءاتٍ ذكورية بائدة. «أزحتُ خصلة من شعركِ عن جبهتك/ كي لا تعوق مرور الأحلام»، يقول صاحب «مريم المرحة» (2004). «كنا اتفقنا أن لي قضمةً من ثديكِ عند الفراق/ أنا شايلوك وأنت المدينةُ لي/ وبيننا عقدٌ مكتوب»، يكتب في مكان آخر. وفي قصيدة «كنزي»، نقرأ: «لو كان لي أن أتمنى الهيئة التي أُوجدُ عليها في هذا العالم/ لتمنيّتُ أن أكون على صورة القطعة التحتية من ملابسكِ/ الفريدة الحالكة التي تحيطُ بكنزي/ والتي أحسدها بكل قدرتي على الحسد». إنها مقاطع تنقل لنا مقترحاتٍ ومذاقاتٍ شعرية يبرع الشاعر في إدخالها إلى مشغله الخاص وتحويلها إلى خيارٍ شعري شخصي.
في المقابل، لا تعوق النثرية المتوافرة في المجموعة ابتكارَ صورٍ مفاجئة وذكية مثل التي نقرأها في تجارب مكتوبة بتقنيات غير نثرية. بحسب كريم عبد السلام، الشعر هو نتاج حساسية خاصة ومخيلة شخصية قادرة على التقاط الشعر بصرف النظر عن شكل الكتابة وآلياتها المسبقة.