أغانٍ هابطة... «والجمهور عاوز كده»

بعد أيام على صدور «كينغ كونغ»، تحوّل إلى صرعة في مصر. صاحب «تاكسي» أعاد إلى الضوء ظاهرة الفنانين الذين يضربون فجأة ثم سرعان ما ينطفئون... فهل ينطبق ذلك على المغني المغمور الذي أغضب تامر حسني؟

محمد عبد الرحمن
هل النجاح الكبير لأبو الليف استثنائي في سوق الكاسيت؟ وهل الضجة التي أثارتها أغانيه ظاهرة جديدة في الشارع المصري؟ الإجابة عن هذين السؤالَين هي طبعاً... لا. كل فترة، تبرز أغنية لمغنّ شعبي غير معروف، وتحقق نجاحاً كاسحاً، لكن نادراً ما يستمرّ.
هنا، يظهر السؤال الذي يواجه كل هؤلاء المغنّين، بينهم أبو الليف الذي ظهر لأول مرة على غلاف ألبومه الجديد «كينغ كونغ» بلحيته الكثيفة وقطعة لحم يمسكها في يده: هل النجاح بداية لمشوار فني حقيقي؟ أم موضة تنتشر يستريح خلالها الجمهور من نجومه المفضّلين؟ قبل عشرين عاماً، فشل علي حميدة في الإجابة عن هذا السؤال. بعدما اشتهر بأغنية «لولاكي»، عاد وانطفأ نجمه، عاجزاً عن تحقيق أي نجاح لأغانيه اللاحقة. كذلك الأمر بالنسبة إلى شعبان عبد الرحيم، الذي يدرك جمهوره جيداً أنّه لم يقدّم أي أغنية تحفظها الذاكرة، بعد «أنا بكره إسرائيل» و«هبطل السجاير».
وإذا كان أبو الليف فرض لوناً خاصاً من الطرب الشعبي، فهو أيضاً مطالب بدراسة أسباب نجاحه جيداً إذا أراد الاستمرار مع فريق العمل الذي قدمه للجمهور، أي الشاعر أيمن بهجت قمر والملحن محمد يحيى. رغم الانتقادات التي واجهت أغانيه التي عدّها بعضهم مبتذلة لا تعبّر عن الشارع المصري، إلا أنّ أبو الليف تحوّل في أيام قليلة إلى ظاهرة. وقد ردّد فريق عمله مراراً أن كلمات الأغاني مقتبسة من يوميات المصريين. لكن حتى لو كانت هذه الكلمات متداولة بين فئة من المصريين، ويرددها بعض الفنانين على شاشة السينما، هل تصحّ إعادة استخدامها والتعامل معها ككلمات عادية؟
هكذا، ظهرت علامات استفهام عدّة على المغني المغمور الذي يدعى أبو الليف، وهو ما صبّ لمصلحته، وأضفى بريقاً خاصاً على تجربته الغنائية الصادمة. هذه التجربة بدأت قبل عام تقريباً، حين أطلق أغنية «تاكسي». ويقول مطلع هذه الأغنية «اللي فارسني إني بَغَني من تالتة ابتدائي... من قبل تامر حسني وقبل محمد حماقي». وقد اشترطت محطة «نجوم أف أم» الحصول على موافقة حسني وحماقي قبل بثّ الأغنية. وكما كان متوقعاً، وافق محمد حماقي في حين رفض تامر حسني ذلك. هنا، بدأت شهرة أبو الليف (اسمه الحقيقي نادر أنور) تنتشر بصفته المغني المجهول الذي أغضب تامر حسني. بعدها، عاد ليقدّم أغنيةً لبرنامج تلفزيوني لم تحقق الدعم المطلوب. غير أنّ المغني المصري لم يستسلم، بل بدأ بالإعداد بصمت لألبومه الجديد، وخصوصاً أغنية «كينغ كونغ». وهذه الأخيرة أعادت رسم علامات استفهام بشأن هويته، وخصوصاً أن صوره لم تنتشر، حتى قال بعضهم إن أيمن بهجت قمر هو نفسه أبو الليف.
ولأن الأغنية تدور حول «فايسبوك»، ورغم معانيها السلبية وكلماتها الغريبة مثل «خورنغ وكاورك»، إلا أنها نجحت في إثارة الجدل، وخصوصاً بين الناشطين على «فايسبوك». هكذا انتشرت الأغنية بسرعة، وحقّق الألبوم مبيعات قياسية، فنفدت ستون ألف نسخة خلال شهر واحد، ليعطي أبو الليف دفعة قوية لسوق الكاسيت. وتزامن هذا النجاح مع حملة إعلامية استغربها كثيرون، وخصوصاً المغنون الجادون الذين لا تهتم بهم برامج الـ«توك شو».
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن أبو الليف خسر في مكان معيّن. لم تنجح كل أغاني الألبوم، واقتصر التركيز الإعلامي على الـ«كينغ كونغ وفايسبوك»، و«بومبا زومبا»، و«تاكسي»، و«الستات مجانين»، ما أدى إلى تجاهل أغان أخرى تحمل معاني أعمق، لكن مؤلفها لم يدعمها بالكلمات الغريبة المثيرة للجدل. ولعلّه اعتراف غير مباشر بأن الكلمات الغريبة هي سبب نجاح الألبوم.
ويبدو أن رغبة أبو الليف في الانضمام إلى المطربين الشعبيّين «الشيك» لا مطربي الأفراح، جعلته يبالغ في رواية قصة حياته والمعاناة التي مر بها حتى عرفه الجمهور وهو في الثانية والأربعين من عمره. بدايةً، قال إنّه درس في الكونسرفتوار، لكنّ رئيس المعهد كذّب الخبر، فتراجع عن أقواله مؤكداً أنه لم يكمل دراسته الموسيقية. ثمّ كرّر الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي عاشها وعمله مزارعاً، وسائق تاكسي... كذلك غضب أبو الليف من موقع «فنون إف إم» المتخصص في الموسيقى، بعدما كشف عن سرقة لحن أغنية «بومبا» من أغنية أجنبية شهيرة. وقال إنه كتب على الألبوم أنّ لحن الأغنية عالمي. وهي مغالطة تضاف إلى الكثير من المغالطات التي تضمنتها الحملة الدعائية له. رغم أنّ اللحن عالمي، إلا أنّ ذلك لا يعني أن يستعمله من دون الحصول على موافقة أصحابه.
ومن الآن حتى يخفّف أبو الليف إطلالاته الإعلامية، يبقى السؤال واحداً: هل يستمر نجاحه؟ أم ينضم إلى قافلة المغنين الذين انطلقوا سريعاً واختفوا بالسرعة نفسها، مستغلين حاجة الجمهور إلى الجديد ومعتمدين على كلمات يرددها الناس وهم يضحكون... لكنها ليست لغة حياتهم اليومية؟


zoom

من «البرتقالة» إلى «بحبك يا حمار»


هناء جلاد
حين احتلّت أغنية «البرتقالة» للعراقي علاء سعد، قائمة الأغاني الأكثر جماهيرية قبل خمس سنوات، كانت تلك ربما الإشارة الأولى إلى تدهور الأغنية العربية. بعد «البرتقالة»، كرّت سبحة الأغاني الممجّدة للفاكهة والخضر، إلى أن ضجّت الساحة بالنهيق مع المصري سعد الصغير الذي أطلق أغنية «بحبك يا حمار»، وتبعته أمينة بـ«الحنطور».
لكن قبل الحديث عن الأغاني الجديدة، نشير أولاً إلى أنّ الأغنية المصرية الهابطة اقترنت سابقاً بأفلام السينما. حتى رأى بعض المنتجين والمخرجين أنّها ضرورة حتمية للنجاح في امتحان شباك التذاكر.
هكذا غنّى ريكو في فيلم «الساحر» أغنية «عادي في المعادي». وانطلقت بعدها مسيرته السينمائية ليحلّ ضيف شرف على أفلام جيدة منها «بنات وسط البلد». وتجربة ريكو تعدّ توظيفاً ممتازاً لمقولة «الجمهور عاوز كده» لكن في أعمال تهدف إلى كشف عورات المجتمع المصري. مثلاً، يعدّ فيلم «كباريه» أحد أفضل الأمثلة على ذلك. إذ لعب خالد الصاوي دور مطرب أغان هابطة بكل ما تحمله القصة من دلالات اجتماعية عميقة.
لكن الاستثمار الإيجابي للأغاني «الهابطة» لا يعني أن كل التجارب في هذا المجال ناجحة. إذ يلجأ بعض النجوم إلى هذه الأغاني للترويج لأعمالهم فقط.
وبعيداً عن الشاشة الكبيرة، برزت أخيراً على ساحة الغناء في مصر ظاهرة أبو الليف صاحب «كينغ كونغ»، ودياب مغنّي «الغمازات»، و«العوو». واللافت أن هاتين الأغنيتَين حملتا توقيع نصر محروس مكتشف تامر حسني وشيرين عبد الوهاب، وصاحب شركة «فري ميوزيك» المشهود لها بالرصيد الفني الجيد. ودفع ذلك بعضهم إلى التخوّف من هذا الانقلاب وفتح المجال لكليبات تقدّم فتيات شبه عاريات يتموضعن بهيئة الكلاب وينبحن!
ويبقى للساحة اللبنانية حيّز كبير في هذا الإطار: قدّمت ماريا (الصورة) أغنية «العب» وهي تستحم بالحليب، وغنّت دانا مرتدية ملابس نومها... كما عادت نانا أخيراً إلى الساحة لتقدم «أنا معي حق» الملأى بالإيحاءات الجنسية. كل ما سبق ليس إلا قطرة من سيول جارفة يساعدها على الانتشار سرعة الشبكة الإلكترونية في نقل الإنتاج من دون كلفة، فيما تغرق الفضائيات والإذاعات في فنّ أبو الليف.