أصدرت الشركة الأميركية أخيراً قائمة كشفت عن أسماء الحكومات التي طلبت بيانات عن المستخدمين أو حجب معلومات معينة، وجاءت البرازيل في رأس القائمة... لكن أين العالم العربي؟
محمد خير
قد يبدو طريفاً أن البرازيل وجدت قائمة أخرى تتصدّرها غير قائمة الـ«فيفا» لكرة القدم. إذ تصدّر هذا البلد أخيراً قائمة «غوغل» الجديدة التي كشفت عن أسماء الحكومات التي طلبت بيانات عن المستخدمين أو طلبت حجب معلومات معينة. والأغرب في القائمة أنها لم تحمل اسم حكومة عربية واحدة. قطعاً لم يكن ذلك لأن الحكومات العربية لم تعتمد سلوكاً مماثلاً، ولا لأن «غوغل» تتواطأ مع أي نظام عربي. السبب أكثر إدهاشاً وسوءاً، وهو مجرد واحد من أمور مدهشة وسيئة كثيرة فضحتها تلك القائمة التي صدرت في 20 نيسان (أبريل) الحالي، وغطّت الأشهر الستة الأخيرة من 2009.
أما القائمة الأحدث التي ستنشرها «غوغل» بعد ستة أشهر من الآن، فستكون أكثر تفصيلاً. وستتضمن بياناً بالطلبات الحكومية التي استجابت لها الشركة الأميركية بالفعل، تمييزاً لها عن الطلبات التي رفضتها الشركة. وكانت «غوغل» قد استجابت لـ52 في المئة من طلبات الحكومة الأسترالية خلال الفترة المذكورة ومنحتها البيانات المطلوبة عن المستخدمين. كما استجابت لـ14 طلب إزالة بيانات من أصل 17 طلباً قدمتها الحكومة نفسها. كما ستتضمن القائمة المزمع نشرها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل أنواع البيانات المطلوب حجبها، وذلك للتمييز بين الطلبات ذات الدواعي السياسية والأخرى ذات الدواعي الإنسانية «كمحاربة مواقع الاستغلال الجنسي للأطفال».
يبدو المنع هو الأصل وليس الاستثناء في سياسات الإنترنت العربية
لكن الأغرب أن القائمة الحالية التي صدرت قبل أيام، لم تأتِ رد فعل على الحرب الضارية بين محرك البحث الأشهر والحكومة الصينية. بل جاءت رد فعل على تدخل حكومي كندي كان القشة التي لم يتحمّلها ظهر «غوغل». إذ إن مفوضة الخصوصية المعلوماتية الكندية جينيفر ستودارت لم تكتف بأن طلبت من «غوغل» «أن تكون مثالاً لطاعة قوانين الخصوصية في كل بلد»، بل حصلت على دعم مندوبي عشر دول أخرى، منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسرائيل، يمثّل سكانها 375 مليون نسمة «يتحدثون بصوت مشترك» مطالبين «غوغل» بأن تمثل «أفضل دفاع عن خصوصية الناس».
وجاء في مذكرة الاحتجاج الكندية التي توجهت إلى رئيس «غوغل» إريك شميدت، أن احترام خصوصية الناس كثيراً ما يُتناسى أثناء تطوير البرمجيات الحديثة. والمثير أن ستودارت نفسها هي بطلة الكثير من المواجهات، التي بقيت بلا جدوى، مع شركة «فايسبوك» الأميركية بدورها، ولا تزال تكشف يومياً عن إجراءات جديدة لتسويق بيانات المستخدمين.
ويبدو أن «غوغل» لن تستسلم بسهولة. وبدأت تصدّيها بقرار نشر القائمة الجديدة التي كشفت أن الولايات المتحدة جاءت في المركز الثاني بعد البرازيل، من حيث طلب بيانات عن مستخدمين. كما جاءت أميركا في المركز الرابع في «قائمة طلب مسح بيانات عن محرك البحث» بعد البرازيل وألمانيا والهند. وقد تكونت القائمة الأولى ــــ طلب البيانات عن المستخدمين ــــ من 20 حكومة، ضمت سويسرا جنباً إلى جنب مع كوريا الجنوبية، وأستراليا والأرجنتين، وقد احتلت إسرائيل ذيل القائمة بمعدل 30 طلباً ضمن القائمة التي تغطي الأشهر الستة الأخيرة من 2009.
أما الدول التي طلبت حجب معلومات معينة، فبلغت 42، لكن معظمها (32 دولة) سجلت أقل من عشر طلبات. بينما زادت عن ذلك عشر دول، أقلها كندا (19 طلباً)، وأكثرها البرازيل (191 طلباً)، ثم ألمانيا (188 طلباً)، فالهند (142 طلباً). بينما جاءت ضمن الدول الأقل طلباً كل من بلغاريا، وأستونيا، واليابان وأيرلندا.
في القائمة الأخيرة تحديداً، جاءت الصين في الذيل لكن من دون أرقام. إذ وضعت الشركة أمام اسمها علامة استفهام. وهو ما فسرته نائبة المستشار العام لـ«غوغل» نيكول وونج بأن الشركة استبعدت بيانات الصين عمداً لأسباب قانونية. لكنها قالت إن «أنظمة مثل الصين وإيران تتعلل بسلوكيات الرقابة لدى الحكومات الغربية مثل أستراليا، كحجج لتبرير رقابتها الخاصة الأكثر شدة على الإنترنت».
وإذا كانت الصين تخوض معركة قانونية وسياسية ضد «غوغل»، فإن استبعاد العرب من قائمة «غوغل» يوضح أن العالم العربي ليس مطروحاً على الإطلاق كفضاء حر للإنترنت. ووفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية، تكشف الأنظمة العربية عن سياسة هائلة لحجب المواقع والرقابة على المستخدمين بصورة تحد من جدوى أي إحصاء لمتابعة ذلك. يبدو الحجب والمنع هو الأصل وليس الاستثناء في سياسات الإنترنت العربية. وإن كانت «غوغل» قد أعلنت أن أربع دول فقط كانت تراقب الإنترنت عام 2002 مقابل أربعين دولة في 2010، فإن استبعادها العالم العربي بحكوماته التي تفوق العشرين خارج الأرقام المذكورة، يوضح إلى أي حد ينظر إلينا العالم ككتلة واحدة من الرقابة ومطاردة الحريات، كتلة واحدة بائسة تبقى ــــ على أية حال ــــ شكلاً من أشكال الوحدة!


اعتراض!

ما إن صدرت قائمة «غوغل» الجديدة التي غطّت الأشهر الستة الأخيرة من 2009، حتى نشر موقع «بي بي سي» تعليقاً للاختصاصي في مجال المعلومات والكومبيوتر توم كارزيت من موقع «سي نت». ورأى كارزيت أنّ الأرقام المنشورة من جانب محرك البحث الشهير، ليست دقيقة «لأن «غوغل» لم تنشر عدد المرات التي رفضت أو قبلت فيها إعطاء معلومات عن أشخاص عندما طلبت الحكومات، بل إنها لا تكشف عدد المرات التي استجابت فيها لطلبات الحكومات». ورداً على هذا الرأي، قالت «غوغل» إنها «تعمل على تجهيز هذه المعلومات وجمعها جمعاً أفضل وإن تقريرها المقبل الذي سيصدر بعد ستة أشهر سيكون أكثر تفصيلاً».