بعد ثلاث سنوات على إطلاقها، عاد الحديث عن دمجها مع «المستقبل» وسط كلام على انتهاء دورها السياسي وتفاقم الأزمة المالية التي تعانيها مؤسسات الحريري الإعلامية
ليال حداد
لم تعد الأزمة المالية والسياسية التي تمرّ بها قناة «المستقبل» تخفى على أحد. ولم يعد الحديث عن دمج محطَتَي «المستقبل»، و«أخبار المستقبل» مجرّد شائعات، كما ردّد المسؤولون في القناتَين لفترة طويلة. إذ تبيّن أخيراً أنّ المشرف على «أخبار المستقبل» نديم المنلا، قدّم مشروعاً لرئيس الحكومة سعد الحريري بهدف إنقاذ المحطة. ويقوم المشروع على بندَين: الأوّل دمج المحطتَين، وهو ما سيؤدّي إلى إلغاء نحو 175 وظيفة في القناتَين، وبالتالي، فإنّ 175 موظفاً ــــ يرجّح أن أغلبهم من الحراس والتقنيين ــــ سيصبحون عاطلين من العمل.
أما البند الثاني، فهو توفير عشرين مليون دولار أميركي لتسديد الديون المستحقة على المحطة والإقلاع بشبكة برامج وخطة إنتاجية جديدة. وكان حجم الدين المستحق على القناة الإخبارية قد وصل إلى 18 مليون دولار، مقسّمة بين الرواتب، والمستحقات لباقي الشركات، ووكالات الأنباء، والأقمار الصناعية. كذلك تردّد أنّ الأزمة المالية الخانقة في القناة وصلت إلى درجة العجز عن توفير مادة المازوت.
لكنّ سعد الحريري جمّد هذا المشروع، بانتظار اتضاح الصورة على جبهة المفاوضات مع نازك الحريري. إذ يبدو أن هذه الأخيرة ـــــ وهي تملك حصة في «المستقبل» دون الإخبارية التي يملكها سعد وحده ـــــ لديها شروطها الخاصة للقبول بمشروع الدمج. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن سعد الحريري كان قد سبق أن عرض على نازك شراء حصّتها من «المستقبل» لكنها رفضت. وفي محاولة لإبعاد المقربين من أرملة رفيق الحريري عن التلفزيون، عمد فريق الحريري الابن، بقيادة نديم المنلا، إلى محاولة إبعاد رئيس مجلس إدارة المحطة سمير حمّود، من خلال ترشيحه لمنصب رئيس «لجنة الرقابة على المصارف». ومع فشل هذا المخطّط، اقترح الفريق نفسه تعيين حمود في لجنة مصرفية داخل «مصرف لبنان»، ولا يزال هذا الاقتراح قيد البحث حتى الآن.
وترافقت كل هذه التطورات مع تراجع في موازنات الدعم التي يقدّمها الحريري لعدد من المواقع الإلكترونية، فما كان من هذه الأخيرة إلا أن هدّدت بالتوقّف.
غير أنّ أزمة إعلام «المستقبل» ليست مالية فقط. السياسة تؤدي دوراً أساسياً فيها. بعد أقل من ثلاث سنوات على انطلاق المحطة الإخبارية (9 كانون الأول/ ديسمبر 2007) وبعد التعبئة السياسية التي مارستها في وجه النظام السوري، وجد القائمون عليها أنفسهم في وضع يفرض عليهم تغيير خطابهم السياسي. إلى جانب مشروع الدمج، كان لزيارة رئيس الحكومة اللبنانية إلى دمشق تأثير مباشر على المحطة. وبما أن التجييش الإعلامي كان بنداً رئيسياً في زيارة الحريري الأولى للشام، اجتمع رئيس الحكومة فور عودته من العاصمة السورية بالقائمين على مؤسسات «المستقبل» الإعلامية (التلفزيون، والإذاعة، والصحيفة) ليبلغهم بضرورة الامتناع عن انتقاد سوريا. وذهب أبعد من ذلك حين طلب منهم التعامل مع سوريا، تماماً كما يجري التعامل مع السعودية!
وكما كان متوقعاً، لم يمرّ هذا التغيير المفاجئ على خير. وقع جدل وبلبلة، وخصوصاً في صفوف العاملين في المحطة الإخبارية. يومها، أبلغ أحد مستشاري الحريري ـــــ يُقال إنه باسم السبع ـــــ إعلاميي «المستقبل»، بأن دور المحطة انتهى كرأس حربة في الصراع

طلب من بعض الصحافيين الامتناع عن الكتابة في الصحيفة بسبب وضعهم الإشكالي

مع سوريا، ولا بدّ من البحث عن محور آخر، يركّز عليه التلفزيون. انطلاقاً من هذا الواقع، طلب سعد الحريري من السبع تقديم دراسة مفصّلة عن وضع صحيفة «المستقبل». هكذا، اجتمع وزير الإعلام السابق، مع مديري التحرير في الصحيفة، وكان اجتماعاً يتيماً لم يؤدّ إلى أي نتيجة. علماً بأنّه خلال الاجتماع، طُلب من بعض الإعلاميين الإمتناع عن الكتابة، بسبب وضعهم الإشكالي، وأبرز هؤلاء فارس خشّان، ونصير الأسعد. كذلك طُلب من المشرفين على الصحيفة عدم نشر مواد تسيء إلى العلاقة مع الشام.
ونتيجة لكل ما سبق، يُنتظر بدء البحث في وقف مجموعة من البرامج السياسية، وتعديل هيكلية مديرية الأخبار في «أخبار المستقبل»، وهو ما دفع ببعض مقدّمي نشرات الأخبار، وبعض العاملين الأساسيين في التحرير إلى الشروع بالبحث عن عمل في مؤسسات أخرى. وما أثار استياء الموظّفين ـــــ إلى جانب الضغط السياسي ـــــ كان عدم الانتظام في دفع الرواتب، حتى وصل الأمر ببعض الموظفين إلى قبض راتب واحد كل شهرَين. كذلك، فإنّ الصحافيين الـ freelancers لم يقبضوا مستحقاتهم منذ أشهر، فيما توقّفت إدارة المحطة الإخبارية، عن دفع بدلات نقل.


مشروع ممكن

نفى نديم المنلا في اتصال مع «الأخبار» ما يتردّد عن نية إدارة «المستقبل» الدمج بين المحطتَين الزرقاء والحمراء. لكنّه أكّد أنّه «في أي عمل، كلّ شيء ممكن، وهذا الأمر سابق لأوانه وغير مطروح حالياً... لكنّه في كل الحالات، يبقى ممكناً في المستقبل». ولم ينفِ المعلومات التي نشرت عن الأزمة المالية التي تعانيها مؤسسات «المستقبل» الإعلامية «لكن كل المؤسسات تعاني هذه الأزمة، بسبب انخفاض العائدات الخارجية، وشحّ الإعلانات في السوق اللبنانية». من جهة ثانية، أكّد مصدر من داخل القناة أن مشروع الدمج، طرح سابقاً، وهو يندرج ضمن سلسلة مشاريع ينبغي للمنلا وسمير حمّود تقديمها لحلّ الأزمة المالية.