بيار أبي صعبهذه المرّة لا تُطل علينا من خشبة المسرح، ولا في إحدى التظاهرات الثقافية التي تنشط في إحيائها. تأتينا الممثلة اللبنانيّة الهادرة من خلال كتاب أبصر النور في الأكاديميّة، فجاء بحثاً جامعياً يستند إلى منهج ومراجع وأدوات توثيق وتحليل واستقراء. وها هو يعبر إلى القرّاء بفضل منشورات Amers Editions التي أرادتها سارا صحناوي أرضيّة مغايرة ومتعددة المشاغل، موسومة بـ«منارات» سان جون بيرس. «تياتر بيروت» هو كتاب المسرح، وكتاب المدينة. يرصد كلاً منهما في ضوء الآخر. إنّه كتاب حنان الحميم. قصّتها مع المدينة، وقصّتها مع المسرح الذي هو حياتها. يمكن أي باحث، أو ناقد، أن يدرس ذلك الصرح الذي يشهد على عصر الستينيات الذهبي، ثم انتفاضة التسعينيات العابرة. الفرق هنا أن المؤلّفة هي ابنة المكان الذي يحتضن «الأشباح» الهاربة، والانفعالات الزائلة. تجمع بين عملها السوسيولوجي، التوثيقي، النقدي، وتجربتها الميدانيّة بوصفها فنّانة تربطها علاقة عضويّة بالمسرح، مرآة المدينة.
هناك كتب تحمل قصّة أصحابها، رغم انشغالها الموضوعي بشؤون عامة تنأى عن ذات المؤلّف. لأن تلك الذات تبدو متجذّرة في المشروع، مستترة بين الفصول، متربّصة عند المنعطفات والمفاصل. لذا تراه كتاب (عن) حنان الحاج علي. قصّتها المتخيّلة (والواقعيّة أحياناً). قصّة مدينتها. رصد لمسيرة فنيّة بدأت قبلها، وكي تستمرّ بعدها لا بدّ من فضاء وشهود وذاكرة. لا بدّ من مدينة! كيف ننتج مسرحاً، وننتج ثقافة، ونبني مؤسسات، من دون مدينة؟ أي من دون ذاكرة وأرشيف وتراكم وتناقل وتداول وتلاقٍ. هذا ما اشتغلت عليه حنان. النتيجة كتاب عن المدينة وعنّا. كتابنا!