حسين بن حمزةفي كتابها الشعري الأول «لا تغلق الحظيرة» (دار النهضة)، لا تحمِّل زينة أبو فاعور الشعر ما لا يستطيع حمله. الشعر عادةً مطالبٌ بأن يكون مطيّة لطموحات وأساليب وتقنيات يراد منها أن تؤدي بسرعة إلى منح الشاعر صوتاً متفرداً، أو خصوصية ما في معاملة اللغة والصور والمعاني. نصوص أبو فاعور مرتاحة أو معفاة من هذا الضغط الهائل. لا تريد الشاعرة أن تفوز بالضربة القاضية، بل تستعذب اللعب المتباطئ على أمل الفوز بالنقاط، أو ـــــ على الأقل ـــــ عدم التعرُّض لهزيمة فادحة. أول مكاسب هذه النوع من اللعب هو تخفّف باكورتها من الضعف الملازم لأغلب البواكير الشعرية. ثمة نضجٌ ما في أغلب قصائدها، فضلاً عن قدرة لافتة على ارتياد مناطق لا يدنو منها الشعراء في بداياتهم. هناك مقاطع وسطور مصنوعة من التأمل المفتوح على الطبيعة والكون وأسئلة الوجود الأساسية. لتقرأ هذا المقطع: «أيتها الزهرة/ التي سقيتُ مرةً/ هل يشفع لي ذلك/ حتى تفسحي لي مجالاً/ إلى جانبكِ/ في الحوض». ننتبه إلى أن المعنى
نصّ زينة أبو فاعور مسكون بنكهة فلسفية تذكّر بالمتصوّفة
المدهش هو المستهدف هنا بصرف النظر عن اللغة البسيطة وغير المشدودة التي يتحقق بها. لنقرأ مقطعاً آخر: «دع عنكَ نُصحي أيها البستاني/ وليلعب السوس بأغصان شجري/ فيكفّ عن التطلع نحو الأعالي/ لا تُثنِ العشب الغريب عن معانقة الجذوع/ ولا تلقّني فنون الانتصار/ انزع فزّاعاتك/ واترك الطيور تمرح في بيدري/ وتعبّ من حبوبي ما شاءت/ فيكون لها بِضعٌ/ ولي بضعُ البضع». هذه كتابة بلا ادعاءات سواء كانت زائدة وفضفاضة أو ضرورية ومطلوبة. كأنّ الشعر يحدث بفعل التواضع والزهد والابتعاد عن الأضواء. صفات كهذه تمنح ما نقرأه نكهة فلسفية وإنسانية تذكّرنا بكتابات المتصوفة عن وحدة الوجود، حيث الذات ذائبة في الكون ومقتنعة بحصتها القليلة من الحياة. هكذا، تتحول مصائر الكائنات إلى تأمل شعري: «هذا العوسج الرقيق يستحمُّ بضوء الشمس/ ليسهِّل على الظبي هضمه»، ويتراءى المفرد في صيغة الجمع: «أكاد لا أراكَ لكثرتك». قصائد المجموعة متفاوتة الجودة، كما أن القصيدة الواحدة تتضمن سطوراً تلمع أكثر من غيرها. كأنّ أبو فاعور تكتب أشياء تحبها وترضيها، من دون الاكتراث لرضى القارئ المتطلّب الذي يستقبل أي كتابة شعرية داخل مشهد شعري شرس ومتعدد النبرات والأصوات، حيث يصعب الدفاع عن المعاني والمناخات إذا افتقدت الصنعة والحرفية.