الجزائر ـــ سعيد خطيبيخلال الأيام الماضية، غرق الوسط الثقافي الجزائري في سجال قديم جديد حول ألبير كامو. إذ أصدر كتّاب ومثقفون بياناً دعوا فيه إلى صدّ القافلة الأدبيّة التي جابت 14 مدينة جزائرية بغية التعريف بصاحب «الغريب».
البيان الذي حمل عنوان «خمسينية الكاتب ألبير كامو: نداء استنفار إلى الضمائر المناهضة للاستعمار»، ربط بين الاحتفالية المخلّدة للأديب والفيلسوف الفرنسي في ذكرى وفاته الخمسين (1913ـــــ1960) و«بوادر عودة النيوكولونياليّة». وقد احتجّ الموقعون على قيام «اللوبي النيوكولونيالي بحملته تحضيراً لإضفاء المشروعية على القانون الفرنسي الممجّد للاستعمار، الصادر في 23 شباط/ فبراير 2005». ولفت هؤلاء إلى أنّ «هذا اللوبي سيعمل على تحقيق أول انتصار له، بفضل مساهمة مؤسسات جزائرية رسمية، ومن خلال حلقات تلفزيونية ومقالات صحافية تشيد بفضائل كامو». وذُيّل البيان بتواقيع شخصيات جزائرية معروفة، على غرار المحامي والقيادي السياسي السابق علي هارون، والأكاديمي مصطفى ماضي، والناشرة سامية زنادي، والصحافي محمد بوحميدي والشاعر بوزيد حرز الله وغيرهم.
تشرذم عائد إلى القطيعة بين المعرّبين والفرنكفونيين
في الواقع، ليس غريباً صدور بيان مماثل، إذا نظرنا إلى ردود الفعل المتعصبة التي ميّزت احتفالية صاحب «الطاعون». مثلاً، لم تتوان إحدى الجرائد اليومية، التابعة لحزب «جبهة التحرير الوطني» (حزب الأغلبية البرلمانية) عن تشبيه المدافعين عن ذاكرة كامو بـ«الحيوانات»!
أما موضة «بيانات التنديد» التي تسعى إلى التقليل من شأن بعض الكتّاب والمثقفين ـــــ على غرار ما يحصل الآن مع كامو ـــــ فليست جديدة على المشهد الجزائري. إذ تكشف المعاينة التاريخية أنّ عدداً من الكتّاب الجزائريين، ذوي الأصول الأوروبية، واجه المصير نفسه من الانتقاد العنيف، والطعن في صدقيتهم وعلاقتهم بفعل الكتابة، على غرار ما حصل مع الشاعر جان سيناك الذي سقط قتيلاً في عام 1973.
يعتقد بعضهم أن حالة التشرذم الحالية في الوسط الثقافي ناتجةٌ من القطيعة الدائرة بين فئتين من المثقفين الجزائريين: المعرّبون ونظراؤهم الفرنكفونيون. قطيعة أجَّج لهيبها الروائي الطاهر وطار غداة اغتيال الكاتب الطاهر جاووت على يد الجماعات الإرهابية (1993)، حين صرّح: «اغتيال الطاهر جاووت خسارة لفرنسا لا للجزائر». مع ذلك، تكشف معاينة الراهن أنّ الصراعات الحاليّة صارت نتاج رهانات شخصيّة، حيث لا دور للغة التعبير الأدبي في القضية. انظروا مثلاً إلى آخر خرجات الروائي رشيد بوجدرة الذي لم يجد مانعاً في التحامل على الروائية آسيا جبّار بعدما جرى تداول اسمها بين المرشّحين لـ«جائزة نوبل للآداب».