بيار أبي صعبالكتابة الممتعة ملتبسة غالباً، وقابلة للتأويل. قد ينطبق ذلك على عمود عبّاس بيضون المنشور أمس تحت زاوية «إشكال» (صفحة ثقافة في «السفير»)، بعنوان «جوزيف أيضاً». يكتب الشاعر تعقيباً على الحلقة التي قدّمتها ديما صادق على Otv ليلة السبت، تحيّة لجوزف سماحة في الذكرى الثالثة لرحيله. يقول صعوبة أن نحدد ملامح من نحبّ حين يكون بيننا، فكيف بالأحرى بعد أن حمل أسراره ومضى؟ عبّاس اعتذر عن عدم المشاركة في حلقة الـOtv تلك، بسبب «اختفاء صوته»، كما يكتب في المقالة التي نخالها تخفي انزعاجاً ما، لا تفصح عنه ولا تجاهر به. لعلّ التكثيف والاختزال وراء ذلك الانطباع، أو لعلّه الغموض أحياناً، أو كلمات سقطت من السياق كما في مطلع المقالة. قد يفهم القارئ مثلاً أن مقدّمة البرنامج وضيوفه تآمروا على جوزف سماحة أو استغيبوه، إذ جاؤوا يصنّمونه أو يحنّطونه، ويختمون سيرته الرسميّة بالشمع الأحمر، وينجزون «الرواية الكاملة» عن رجل «يرجّح» عبّاس «أنه لم يرد أن تكون له سيرة، وخاصةً تلك التي تدّعي أنّها رواية كاملة».
كنّا ندرك أننا مهما فعلنا لن نكون أوفياء تماماً، ولن نكون على مستوى غيابه
هل صحيح أن «لا جديد نقول عن جوزيف» كما استهل بيضون مقالته؟ ربّما كان هناك كلام كثير سيقال في السنوات المقبلة. ثم إن وظيفة برنامج تلفزيوني، بغض النظر عن مدى نجاح الحلقة موضوع النقاش، هي تقديم الراحل لجمهور واسع قد لا يعرفه، أي إن كل كلمة تقال فيه قد تكون جديدة. من هذا المنطلق دعت ديما صادق لفيفاً من أصدقاء جوزف لإحياء ذكراه، فاعتذر بعضهم لأسباب تخصّه، وجاء بعضهم الآخر ليحاول، من موقعه وبكلماته وأحاسيسه وانفعالاته وقناعاته السياسيّة، أن يستحضر الصديق والرفيق الذي عرفه. كنّا ندرك أننا مهما فعلنا لن نكون أوفياء تماماً، ولن نكون على مستوى غيابه. لكن هل في الأمر مصادرة لجوزف أو خيانة لأصدقائه الآخرين؟ لا أعتقد أن أياً من ضيوف ديما صادق حاول أن يفرض صورة كاملة، منجزة، لجوزف سماحة. تكلّم كلّ منا عن الرجل كما يعرفه، أو كما يهيّأ إليه أنّه يعرفه، لكننا قطعاً لم «نسمح لأنفسنا أن نعرفه أكثر مما عرف نفسه». إن شخصاً بقامة جوزف سماحة، وبتعقيد فكره، وعمق إنسانيته، من الطبيعي أن يكون ملكاً لكل الذين أحبّوه. ولا شكّ في أن «لكلّ جوزفُهُ» على طريقة الكاتب الإيطالي بيرندللو. لكنْ، لعلّ عبّاس لم يقصد كل ذلك في مقالته!