في الذكرى المئوية على ولادة إديت بياف (1915 ــ 1963)، تقدّم جاهدة وهبه تحية شرق أوسطية لسيّدة الغناء الفرنسية مساء الأحد المقبل في «بوبينو»، أحد أعرق المسارح الباريسية. العمل سيقدم لاحقاً في لبنان وبعدها في دول عربية وفرنكوفونية عدة.
تعدّ الفنانة هذا المشروع منذ نحو عام مع شركة «كومنبرود» العالمية في باريس التي تترأسها نايلة عبد الخالق. هي التي أتت بالفكرة وعرضتها على وهبه، نظراً الى كون الأخيرة الشخص المناسب لهذه المهمة الصعبة من ناحية قدراتها الصوتية، ولأنّ الفكرة قامت على أن تكون التحية باللغة العربية. في الأصل، كان العمل مدرجاً على لائحة أحد المهرجانات اللبنانية الصيفية، الا أنه أُرجئ لأسباب تحفظت وهبه عن ذكرها.
استغرق نقل النصوص الى العربية نحو عام، علماً أنها باللهجة اللبنانية المحكية. المحاولات لتحويلها نصوصاً عربية بالفصحى لم تكن ناجحة لأن النتيجة جاءت بعيدة عن روح أغنيات بياف القريبة من الناس.
أسماء لافتة في مجال الكتابة العربية اختيرت لتعمل معاً على اقتباس النصوص الى العربية من مي منسى الى جرمانوس جرمانوس، وماجدة داغر، وواسيني الأعرج، ونادين عبد النور، وانطوان طوق، وعيسى مخلوف، وماري القصيفي إضافة إلى لمسات وهبه الأخيرة في صياغة الكلمات كي تتطابق مع مسارات الالحان الأصلية. في الأحيان مثلاً، كانت وهبه كما شرحت في حديث مع «الاخبار» بحاجة الى مدّ في آخر الجملة، وأحياناً أخرى الى حرف ساكن. لذا كان لا بدّ من أن تشارك هي أيضاً في عملية الترجمة. تقول: «عملنا كثيراً على شاعرية النصوص. والأمر لم يكن سهلاً نظراً الى اختلاف اللغتين من حيث تركيب المضمون والامكانيات والحروفيات. ركّزنا على المعاني الكامنة في النصوص. ولم تكن ترجمة حرفية لأنها لم تكن لتنجح أصلاً. أنا راضية تماماً عن العمل وسعيدة جداً به، ومعروف عنّي أنني لا أرضى بسهولة عادةً».

منظمة «الإسكوا» تكرّمها كواحدة من أهم مطربات الشرق الساعيات إلى نشر الثقافة والأصالة


عندما يتعلق الأمر بمشروع مماثل مع فنانة من طراز وهبه، يترقب المرء ما قد تضفيه على مادة قيّمة موجودة في الأصل. فهنا الأمر لا يتعلق بالتقليد بل بالاستناد الى أغنيات بياف وروحها لتقديم ما هو جديد وفريد. في هذا الإطار، تقول وهبه: «أنا لا أقلّد بياف. بل أغنيها على طريقتي الخاصة مع احترام مناخها، بكل أمانة وبكل ما لديّ من مشاعر. أغنياتها محملة بالشجن وبالقضايا الانسانية. سأكون أنا عندما أؤدي الأغنيات، وستكون هناك شذرات شرق عربية. سأقدم بياف بحلّة جديدة. نحن نحاول تقديم أسطورة في الغناء وتقريبها من الناس».
الاغنيات المختارة بعضها معروف جداً وبعضها الآخر قد لا يعرفه الجميع. لنأخذ مثلاً أغنية Mon Manège à Moi المعروفة، إليكم مقطع من الأغنية المعرّبة الذي يعطي فكرة عن كيفية التعامل مع النصوص الأصلية، مع الحرص على الحفاظ على روحها الاصلية وعدم تعقيدها في العربية: «إنت اللي بتدوخني/ متل دولاب الملاهي/ بعيدّ لما بتغمرني/ يا سكرة عمري وآهي/ ببرم العالم طول وعرض/ أوسع كون حدودو زندك/ كل شي بتدور هالأرض/ ما بتدوخني قدك».
يصادف هذا العام تكريم وهبه من قبل منظمة «الإسكوا» العالمية كواحدة من اهم مطربات الشرق الساعيات إلى نشر الثقافة والأصالة من خلال أعمالهن. إضافة الى مسيرتها العريقة في الطرب الشرقي، درست وهبه الغناء الأوبرالي العربي أيضاً. ولكنّ ذلك لم يمنعها من الشعور ببعض القلق بداية إزاء الغوص في مشروع مماثل: «سأستجمع كل قواي الغنائية وخبراتي الموسيقية لأقدم بياف. هي ساكنة في وجدان الناس وقلوبهم. وليس الأمر سهلاً. شعرت بالرهبة أولاً من هذا المشروع لكني انغمست فيه تدريجاً لاحقاً».
من الناحية الموسيقية، تولّى ميشال فاضل توزيع الأغنيات، وسيدير هو الاوركسترا المؤلفة من نحو 15 عازفاً، اختيروا بحسب وهبه «عالطبلية»، من أكثر العازفين مهارة في أوروبا. تركيبة الاوركسترا كلاسيكية عموماً تتماهى مع موسيقى بياف، الا أن بعض الآلات الشرقية ستكون أيضاً موجودة، وستكون لها مداخلات. تولى فاضل توزيع 15 اغنية من أهم اعمال بياف مضيفاً إلى مناخ الأغاني شذرات شرق عربية كما تسميها وهبه، تلاءمت مع أدائها الخاص. من تلك الأغنيات Padam وLa Foule وMon Dieu وLa Vie en Rose وJene regrette rien. الأخيرة تحوّلت كلماتها في العربية كما يلي: «لا ولا شي... لا... ما بندم ع شي... قهر الايام... زهر الاحلام... وكل شي صار... ولا كأنو صار...».
تعتبر وهبه التجربة منعطفاً في مسيرتها الغنائية: «ستضيف الكثير إلى خبرتي. وتحملني مسؤولية وتعطيني أبعاداً. تعلّمت منها الكثير. إن كان من ناحية اقتباس النصوص أو الأداء، وأرغب في أن أقدّم بياف بأبهى حلة. هي تركت إرثاً جمالياً وانسانياً كبيراً في ظرف عمري قصير. هي مدرسة لأي فنان. كانت غنية ذات حضور طاغ. وكل ذلك يحفزني لتقديم شيء جميل يبقى في وجدان الناس. أغنياتها وضعتني في مزاج معيّن، وصار معي بالـ»بياف». هي أغنيات ناقدة وساخرة اجتماعية. غنّت كل المواضيع، الوطن والأرض والزواج واليتم. وكانت في حالات نفسية عدة. لا شكّ في أن هذه التجربة تشكل منعطفاً في حياتي المهنية».

جاهدة وهبه تغني اديت بياف: 20:30 مساء 27 أيلول (سبتمبر) ـــ مسرح «بوبينو» (باريس) ـ bobino.fr