مؤلفاته أثارت اهتمام عازفي البيانو في العالم. وقفة عند بعض هؤلاء، ومن جملتهم عبد الرحمن الباشا الذي سجّل «كلّ شوبان» وفق ترتيب كرونولوجي

بشير صفير
قد لا تتعدى علاقة الجمهور بالمؤلف البولوني ــــ الفرنسي فريدريك شوبان الإعجاب بمقطوعاته، علماً بأن كثيرين يحبّون تلك المقطوعات من دون أن يعرفوا أنّها من تأليفه حتى. هذا المبدع بات قيمة إنسانيّة (وليس فقط فنيّة) ومُلكاً للجميع. رغم رحيله المبكر، قام شوبان بإنجاز موسيقيّ كبير تمثّل في أعمال من أشكال مختلفة، لكن الحصة الأكبر كانت من نصيب البيانو المنفرد. كتب شوبان أعمالاً قليلة لغير البيانو المنفرد، منها ثلاثي وحيد للبيانو التشيلو والكمان (لا قيمة تذكر له)، وسوناتة وحيدة للتشيلو والبيانو (جيدة لكنها مغمورة نسبياً)، وأعمال للبيانو والأوركسترا أبرزها اثنان من فئة الكونشرتو. لكن قيمة شوبان الكبيرة تكمن في أعمال البيانو المنفرد. أبرز هذه المؤلفات: الـValses، الـNocturnes، التمارين (Etudes)،



FROM PRELUDE # 17 - R.BLECHACZ








الـBallades، الـScherzi، المقدمات (Preludes)، الـPolonaises، الـMazurkas، وثلاث سوناتات للبيانو، وغيرها من الأعمال. لكن المفارقة أنّ شوبان الذي كان يعشق فن الأوبرا، لم يؤلف أي عمل من هذا النوع، واقتصر إنتاجه الغنائي على بضع أغنيات مع مرافقة البيانو.
من ناحية أخرى، يفرض شوبان اهتماماً لا غنى عنه لدى جميع عازفي البيانو الكلاسيكي في العالم. تبدأ العلاقة بأعماله من سنوات الدراسة الأولى، وقد يفني العازف عمره وهو ينقّب في أسرارها. كثيرون برعوا في خلق مدارس في أداء أعماله، وكثيرون سجّلوا أعماله الكاملة أو جزءاً منها.



ETUDE OP. 25, #1 - F. PLANTE








نبدأ من اسم لا يعرفه إلا قلة. لكنّ قيمته الفنية المعنوية كبيرة جداً. إنه العازف الفرنسي فرنسيس بلانتيه (1839 ــــ 1934). هذا الرجل هو الوحيد في التاريخ الذي رأى شوبان يعزف أمامه وترك لنا تسجيلات لبعض أعمال الأخير (يمكن الاستماع إلى نموذج نادر جداً على موقع «الأخبار»). الأهم من ذلك أن بلانتيه، وبفضل عمره المديد (95 سنة)، نقل خبرته في أداء شوبان إلى رموز كبيرة في هذا المجال. نذكر أولاً الفرنسي ألفرد كورتو (1877 ــــ 1962) «المعلِّم» الذي وجّهت نصائحه كبار العازفين في القرن العشرين، ولنا منه تسجيلات مرجعية لكنها رديئة لناحية التسجيل الصوتي.



SONATA # 2, FIRST MVT - S. RACHMANINOFF








«معلّم» آخر هو البولوني أرتور روبنشتاين (1887 ــــ 1982). إنه رمزٌ من رموز أداء شوبان ومعاصريه. لكن أعمال مواطنه مثّلت العمود الفقري في مسيرته، وله تسجيل شبه كامل ومرجعي لريبرتوار شوبان (مقبول لناحية الصوت). علمٌ آخر في هذا المجال، ولتسجيلاته قيمة فنية وتاريخية كبيرة، هو المؤلف الروسي سيرغي رخمانينوف (1873 ــــ 1943) الذي كان مؤدياً بارعاً لأعمال شوبان، وقام بتسجيلات كثيرة رائعة. لكن رداءة الصوت تخفي بعض التفاصيل (تسجيل للحركة الأولى من السوناتة الثانية لشوبان متوافر على موقع «الأخبار»). نذكر أيضاً من الخبراء الذين تركوا تسجيلات كثيرة لأعمال شوبان، الفرنسي سانسون فرانسوا (1924 ــــ 1970) والبولوني الذي لم ينل الشهرة التي يستحقها، فلادو برلموتر (1904 ــــ 2002)، والروسي فلاديمير أشكينازي (1937) والتركية الغزيرة الإنتاج إيديل بيريه (1941)، واللبناني عبد الرحمن الباشا (1958)، الذي قام بتسجيل «كلّ

فرنسيس بلانتيه هو الوحيد الذي رأى شوبان يعزف أمامه

شوبان» وفق منهج لم يعتمده أحدٌ من قبل: الترتيب الكرونولوجي.
تطول هذه اللائحة ولا تنتهي. لكن لا مفرّ من الإشارة إلى بعض العازفين الذين أبدعوا في فئة من أعمال شوبان (راجع أسفل الصفحة)، مثل دينو ليباتي (1917 ــــ 1950)، كلاوديو آراو (1903 ــــ 1991)، ماوريتزيو بولّيني (1942)، إيفو بوغوريليتش (1958)، مارتا آرغيريتش (1941)، كريستيان زيمرمان (1956)، بالإضافة إلى ألكسندر تارو (1968)، يفغيني كيسين (1971)، نيقولاي لوغنسكي (1972). أما في الجيل الصاعد، فالأسماء أيضاً كثيرة، ومن بين الذين يحملون هذه الراية، البولوني رافال بلشاتش (1985) والصيني يوندي لي (1982) الذي يقدّم أمسية غداً ضمن فعاليات «مهرجان البستان» وكلاهما فائز بالمرتبة الأولى في «مسابقة فريدريك شوبان الدولية» الشهيرة.