«عشرات الصحافيين السوريين شقوا طريقهم وسط البحار والغابات وتعرّضوا لمواقف مثيرة في رحلة لجوئهم المحفوفة بالمصاعب والمخاطر من دون أن يخطر لأحد منهم أن يحمل كاميرا ويسجّل ما حصل!» أطلقنا هذا النداء عندما رافق صحافيو «الغادريان» و«سكاي نيوز» اللاجئين السوريين في رحلتهم من المجر إلى ألمانيا (الأخبار 15/9/2015).
لم يطل انتظارنا، سرعان ما دخلت الإعلامية السورية زينة يازجي على خط معاناة أبناء وطنها بشكل مباشر هذه المرّة، عندما غيرت لعبة برنامجها «بصراحة» (سكاي نيوز عربية -9 مساء كل أحد بتوقيت بيروت) وسافرت إلى مدينة بودروم التركية نقطة انطلاق اللاجئين إلى أوروبا. الحلقة التي عرضت الأحد الماضي، سلطت الضوء على حكايا اللاجئين ومعاناتهم مع تجار البشر وقوارب الموت، والأسباب التي تدفعهم لركوب البحر رغم الخطر، ومراحل عملية التهريب. انطلقت يازجي مصحوبة بحسّها الدرامي وقربها من العفوية والواقعية أثناء تقديمها برامجها، لتصل إلى حديقة عامة. هناك، التقت عائلة من محافظة الرقة حاورت الأب كما تحدثت مع الأم التي يبدو واضحاً من أسلوب كلامها أنها حصلّت تعليما جيداً من دون أن تمنح الكاميرا ولو نظرة واحدة. بعد ذلك، احتضنت الإعلامية السورية علي وهو الابن البكر لهذه العائلة. جرّبت محاورته، فلم يكن مفهوماً كلامه بشكل كلي. طلبت ترجمة من الوالد فشرح كيف يفزع ابنه من البحر، وكشف عن الرعب الذي يلاحق الأطفال وهم يجبرون على خوض رحلة الموت لتدور بعد ذلك أسئلة عبثية حول مغامرة الرجل بأولاده. ربما خانت التعابير هذا الشاب السوري كأنه كان يريد القول «سأحمل عائلتي وأمضي بها في عرض البحر فإما أن نموت جميعاً وتنتهي الكارثة الإنسانية التي تحاصرنا وسط صمت العالم أجمع أو أن نصل إلى أوربا ونعيش بكرامتنا».
بعد ذلك، كانت يازجي على موعد في حديقة أخرى مع شاب درس الأدب الإنكليزي وقرر السفر إلى دولة أوروبية تعتمد اللغة الإنكليزية كلغة أساسية، ليختصر على نفسه الوقت في الاندماج في المجتمع. دار الحديث حول مدينته حمص التي خرجت منها مظاهرات سلمية قبل أن تدّك في السلاح، واعترف أنه كان من ضمن من حرَض على رفع السلاح في وجه الدولة، لكنه لم يتمكن هو من حمله! في ذروة الحديث، ستضرب المذيعة السورية بحزم على مكان موجع عندما تسأله: كيف ترى نفسك قبل سبع سنوات؟ هنا يصبح المشهد صالحاً ليكون خاتمة لفيلم سينمائي قبل أن يطلب الشاب إيقاف التصوير لتطلب زينة منه إيصال رسالته للعالم، فيرد: «دعيني أجرّب إظهار شجاعة» قبل أن يغرق في البكاء ويتوقف التصوير تلبية لرغبته. تتحول الحلقة التلفزيونية لما يشبه التحقيق الاستقصائي رغم طرحها أسئلة تبدو ساذجة وفي غير مكانها مثل «لماذا اتركت سوريا» أو «هل تريد العودة». لكن يبرر لتلك الاسئلة إعطاء الحق لهؤلاء المشتتين بان يقولوا كلمتهم في هذا الشأن. تلتقي يازجي مهرّب البشر فينفي التهم الموجهة ضده في المشاركة في قتل ستة آلاف سوري غرقوا في بحر إيجه! بعد ذلك، تتوجه نحو عمدة بوردوم فيعتبر بأن القبض على مهرّب صغير لا ينهي المشكلة طالما أن الموضوع صار مرتبطاً بمافيا عالمية تسّهّل الأمر وحلها يرتبط بزعماء العالم! يعود مجدداً فريق «بصراحة» ليطوف على لاجئين يفترشون الحدائق العامة ويلتحفون السماء، لتسمع أجوبة متقاطعة حول مسؤولية المهربين عن غرق القوارب بسبب وضع أعداد مضاعفة في كل رحلة، ومن ثم ندم وحسرة على ترك بيوتهم ليصلوا إلى نوم نسائهم في الشوارع وتعرضهن لتحرشات علنية في آخر الليل. أخيراً، ستتقفى يازجي أثر المهاجرين الذين سبق لهم أن تجمّعوا في أبنية قريبة من البحر في اللحظات الأخيرة قبل سفرهم نحو المجهول، ثم تلتقي السينمائي السوري فراس فيّاض، وأضواء جزيرة كوس اليونانية تتلألأ على بعد 6 كم منها. يحكي فيَاض وجع بلاده ثم يقول بأنه عندما تغلق الأبواب في وجهه، سيركب البحر مثله مثل أبناء بلده قبل أن يختم في جملة ذهبية: «مجرد أن يسأل أي سوري نفسه أين وطني، فإنه سيفكر فوراً بركوب البحر» المشهد الأخير للحلقة المميزة هي تصوير بهاتف نقّال للعائلة الرقاوية ذاته التي التقتها زينة وهي تخوض رحلة البحر بينما لا يقوى طفلهم على فتح عينيه من الخوف. دقائق ويصل «البلم» إلى الشواطئ اليونانية لتعدنا الإعلامية السورية بمتابعة الملف في حلقات برنامجها الذي هجر الاستديوهات وقرر اللحاق بالميدان!