بدر الإبراهيمحقّق The Hurt Locker نجاحات متتالية وفاز بجوائز مهمة، آخرها «أوسكار» أفضل فيلم وحظي بحفاوة نقدية. فيلم كاثرين بيغلو التي فازت أيضاً بجائزة أفضل مخرجة، يُعدّ أكثر شريط حصد النجاح بين الأفلام الهوليوودية التي تناولت حرب العراق. يحكي العمل قصة فرقةٍ من الجنود الأميركيين المختصّين بنزع الألغام في العراق، ويدخل في تفاصيل حياتهم في تلك «الصحراء اللعينة». يروي قلقهم وخوفهم في ظل أجواءٍ مشحونة بالعدائية ضدهم (عدائية لا تبرير لها في الفيلم!) ويعرض بطولاتهم وتضحياتهم. وهو يستند إلى أساسين: المعاناة الإنسانية لجنود الاحتلال، والعمل البطولي الذي قاموا به في وجه «الإرهابيين». وهو ما دفع أحد الممثلين إلى القول بأنّه بعد هذا الفيلم، صار يقدّر أكثر تضحيات الجنود في العراق وأفغانستان من أجل وطنهم. هذا الكلام يعبّر عن الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها. حاول الشريط أن ينأى بنفسه عن الدخول في القضايا السياسية مباشرةً، فلم يتناول الظروف السياسية المحيطة بوجود الجنود في العراق. هم موجودون وكفى. الموضوع يتعلق بالجانب الإنساني في الحرب. غير أن صنّاع الفيلم وصلوا إلى قلب المسألة السياسية بطريقتهم في تناول الحرب. إذ إنّ إهمالهم لمسبّبات الحرب ووحشية الاحتلال وبشاعة العدوان وشرعية المقاومة تعبيرٌ واضح عن العقل السياسي الغربي ونظرته إلى العالم. يقول الفيلم بوضوح إنّ الحسّ الإنساني هو من خصائص الرجل الأبيض (والأسود أيضاً إن كان في خدمة الأبيض)، وإن الآخرين لا يعانون، ولا يحقّ لهم ذلك. هم مجموعة همج حاقدون على

يركّز الشريط على معاناة جنود الاحتلال وبطولاتهم!

تحضّر الغرب. وإذا كانت مخرجة الفيلم تدّعي مناهضة الحرب، فهي تقدّم الدعاية الأميركية الزائفة نفسها في هذا الإطار، وهي التي تقوم على منطق فرض السلام بالقوة، ما يؤدي إلى تكريس الهيمنة وفرض شروط المنتصر. يمكن الحديث عن اتجاهين في معارضة الحرب يبرزان في الإعلام الغربي: أحدهما يعارض الحرب ويرفض العمل العدواني والسياسات الاستعمارية. أما الاتجاه الآخر فلا يرى إشكالاً في الحرب إلا إذا أدّت إلى تزايد خسائر المحتل والمستعمر. حينها، تبدأ معارضة الحرب للحفاظ على أرواح «المهمّين». أما الآخرون فلا يهمّ ما يحصل لهم من تجويع وتشريد.إنها إنسانية العقل السياسي الغربي العنصرية. الإنسانية التي تحرص على حق الإنسان الغربي في الحياة على حساب الآخرين، وعلى حق الآخرين في الموت كرمى لمصالحه. إنسانية تبرز آلام القاتل التي سبّبَها تخلّف المقتول وهمجيّته. هذه الحفاوة التي استقبل بها فيلم مماثل تكرّس انتصار هذا الاتجاه العنصري في العقلية الغربية، وحصول الفيلم على «الأوسكار» سيكون تتويجاً لمسيرةٍ هوليوودية تحتقر البشر الآخرين لتُعلي من شأن إنسانها.