في الشريط الوثائقي «رحلة الدقائق الثلاث»، يحاول ضياء أبو طعام وعباس فنيش رصد الكارثة التي أودت بحياة 90 راكباً وحقيقة عمليات البحث وعلامات الاستفهام الكثيرة التي رافقتها... كل ذلك بتقنية الصورة الثلاثية الأبعاد
محمد محسن
في دقيقة واحدة، أعطى برج المراقبة في «مطار بيروت الدولي» ثلاثة أوامر لقبطان الطائرة الإثيوبية التي تحطّمت في 25 كانون الثاني (يناير) 2010. ولمن لا يعرف، منذ عام 2000 تحطمت خمسون طائرة «بوينغ» من طراز الطائرة الإثيوبية (707)، من بينها 18 أصيبت بخلل تقني أدّى إلى الحادث. كلّ هذه المعلومات موثّقة بالصور. وهي جزء من المعلومات التي سيكشفها الشريط الوثائقي الاستقصائي «رحلة الدقائق الثلاث» الذي أعدّه وأخرجه ضياء أبو طعام وعباس فنيش من قناة «المنار».
بدأ أبو طعام وفنيش الإعداد لشريطهما الجديد، بعد أربعة أيام على سقوط الطائرة، أي بعد انتهاء المهلة الرسمية للعثور على ناجين محتملين، وبعد الارتباك الذي ساد عمليات البحث.
ثمانون دقيقة، هي مدة الفيلم الذي يقدّم معلومات استقصائية موثّقة: معاينة ميدانية لجميع مواقع البحث عن الطائرة، والأهم من ذلك، الوثائق الرسمية التي مُنع تداولها إعلامياً، كتقارير برج المراقبة اليومية والمفصَّلة. كذلك، يفرد مساحة لمقابلات مع خبراء مخضرمين في حوادث الطيران، وصحافيين تابعوا قضية الطائرة، فضلاً عن رصد يومي لجميع التصريحات المعلنة، ومقارنتها بما مُنع الحديث عنه، وهو ما أظهر تناقضات في سير العمل، سيكشفها الفيلم.
ينقسم الشريط إلى محورين: القسم الأول تولّى تنفيذه فنيش، ويرتبط بالجانب الإنساني، أي عائلات الضحايا. هكذا، يتحدث فنيش عن زيارته للأهالي وأسئلتهم التي ـــــ وإن عبّرت عن حزن بديهي ـــــ فهي بالدرجة الأولى «تدلّ على غضبهم من طريقة التعامل معهم بعد الكارثة» كما يقول فنيش. هنا، سنستمع إلى شهادة شقيق أحد الضحايا عن طريقة تعاطي قوى الأمن مع العائلات لدى توجهها إلى مطار بيروت فور سماع النبأ. كما سيعود الأهل إلى لحظات الوداع في المطار، وتلقّيهم خبر سقوط الطائرة. أما عائلة الغطّاس ألبير عسال، فستتحدث عن مشاعرها مع إعلامها نبأ العثور على جثته.
ولعلّ الجديد الذي يقدّمه الشريط في قسمه الأوّل، هو إضاءته على الأسئلة التي بدأ أهالي الضحايا بطرحها عن عمليات البحث والآليات المتّبعة وأسباب التأخير والمماطلة. ويشير أبو طعام إلى أن العثور على جثة عسال، طافية على سطح البحر في المكان ذاته الذي سقطت فيه الطائرة، كان نقطة التحول في سياق الفيلم. كيف ذلك؟ يجيب مستنداً إلى معلوماته، بأن العثور على عسال هو الذي أعاد توجيه بوصلة البحث صوب المكان الصحيح. في المكان نفسه، عثر على الحطام وأجزاء الضحايا، وخصوصاً بعد فترة من منع غطاسي الجيش والدفاع المدني من الغوص. وعلى مستوى التقنيات، أدخل أبو طعام وفنيش تقنية الصورة الثلاثية الأبعاد (من تنفيذ ربيع أمهز)، لتوضيح كل فرضيات الكارثة منذ إقلاع الطائرة حتى سقوطها. منذ بدء العمل على تنفيذ «رحلة الدقائق الثلاث»، واجه فريق العمل صعوبات عدةّ، أبرزها تلك التي صادفها المصوّر محمد صالح في التقاط بعض الصور، بسبب منعه من ذلك. لكنّ الصعوبات لم تقف هنا. خلال الإعداد للفيلم، تعرّض أبو طعام، كما يقول، لسيل من الشتائم! «أحد الوزراء المعنيين بالبحث، أعطانا موعداً لمقابلة، وظل يماطل عشرة أيام، قبل إلغائها من دون تحديد الأسباب» يقول المراسل الشاب في إشارة إلى نوع المشاكل التي واجهته.
لكنّ الأسوأ كان بحسب أبو طعام، ما صرّح به أحد المسؤولين. عندما سأله مراسل «المنار» عن سبب اختيار وسيلتَي إعلام فقط ( «أخبار المستقبل» وجريدة «النهار») لزيارة طاقم عمل باخرة «أوشن ألرت»، جاء جواب المسؤول صادماً، إذ قال «منذ

ينتهي الشريط بإنزال نصب تذكاري في مكان وقوع الحادث
وقوع الكارثة، كان يجب إغلاق وسائل الإعلام بالشمع الأحمر، وخصوصاً أنتم (المنار) لأنكم تحملون توجّهاً سياسياً».
كذلك، لم يسلم فنيش من شتائم أحد المسؤولين عن استقدام بواخر البحث، بعدما نشرت «المنار» تقريراً عن حقيقة عمل هذه البواخر. من جهة ثانية، يؤكد أبو طعام أن «البعد الإنساني في القضية فرض علينا التعامل بأخلاقية وعدم تسجيل مكالمات مع مسؤولين، لا يجرّمنا القانون إذا سجلنا أحاديثهم». أمّا اللقطة الأخيرة من الفيلم، فستكون في مكان سقوط الطائرة، حيث سيُنزَل نصب تذكاري، يطفو على وجه المنطقة التي سقط الضحايا في أعماقها.
الشريط الذي يُتوقّع عرضه الأسبوع المقبل على «المنار»، لا يعدّ التجربة الأولى لضياء أبو طعام مع الأفلام الاستقصائية والوثائقية. سبق له أن قدّم ثلاثة أشرطة كان آخرها «ولو صدقوا» الذي تناول ظاهرة التنجيم والتبصير. يبقى علينا إذاً، أن نشاهد «رحلة الدقائق الثلاث» لنتأكّد إن كان أبو طعّام قد استفاد من خبرة أشرطته الثلاثة كما يقول في هذا الفيلم.


الحكم للمشاهد

يرفض ضياء أبو طعام الحديث عن استنتاج يسبق نتائج التحقيق، لكنه في المقابل، يشير إلى تقديم معلومات موثّقة ودقيقة توضح الصورة: «لنترك الاستنتاج للمشاهد». ويشير المراسل إلى أنّ التصوّر النهائي لشكل «رحلة الدقائق الثلاث» تبدّل مراراً، تماشياً مع المعلومات الجديدة التي كان يكتشفها مع زميله عباس فنيش. من جانبه، يعتذر فنيش من أهالي الضحايا الذين لم تؤخذ شهاداتهم، ويشير إلى اقتصار الحديث مع الجانب الإثيوبي على القنصل، بعدما امتنع رفاق الضحايا الإثيوبيّين عن الإدلاء بموقفهم أمام الكاميرا. أما الحكم على الفيلم، فينتظره المعدّان بعد عرضه على شاشة «المنار».