نجوان درويشتُفهم جيداً رغبة كثيرين في تحية محمود درويش في ذكراه. وليس مستغرباً تذكّر يوم ميلاد شاعرٍ جَمَعَ، بالنسبة لقرّائه، بين الشعرية العالية ورمزية القضية الفلسطينية. لكن اختيار عيد ميلاده (13 مارس) من جانب السلطة الفلسطينية، بمرسوم وزاري، ليكون «اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية»، أمر فيه نظر. في البرنامج الذي وصلنا من العزيزة سهام داوود ـ منسقة هذا اليوم في فلسطين المحتلة عام 1948 ـ نجد أنّ فعالياته تقتصر على أمسيات لقراءة شعر درويش ومعرض بورتريهات لـ«رموز الثقافة الفلسطينية» في جريدة «الاتحاد». فيما لافتة بحجم «اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية» تستدعي وعياً أوسع لمعنى «الثقافة الوطنية» وتمثيلاً كافياً لرموزها واستشرافاً لآفاقها. ثم ماذا يعني «اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية» لشعب مقيّد باحتلال استعماري؟ وماذا تصنع «ثقافتنا الوطنية» في الـ364 يوماً الأخرى؟ هل إهمال ذكرى معظم صنّاع الثقافة الفلسطينية المعاصرة ـ لا سيما المعارضين للسلطة الحاليّة ـ هو في صلب «الثقافة الوطنية»؟

فلنراجع تحديد فرانز فانون لـ«الثقافة الوطنية» في زمن التحرّر الوطني

وإن كنا لا نختلف على اختيار حيفا مكاناً لانطلاق الاحتفال، باعتبار المكان الفلسطيني المحتل كلّه مكان الثقافة العربية الفلسطينية؛ إلّا أن انطلاق «فاتحة النشاطات» من جريدة «الاتحاد» (جريدة الحزب الشيوعي الإسرائيلي) قد يبعث برسالة سياسية معاكسة. فيما رسالة «الثقافة الوطنية الفلسطينية» ينبغي أن تقاوم تثبيت الأمر الواقع، واعتبار فلسطين المحتلة عام 1948 ماضياً لم يعد لنا من بعده سوى المطالبة بحقوق الأقليات في «فلسطين التاريخية»!
يبدو أن معنى «الثقافة الوطنية» في هذا «اليوم الوطني»، لا علاقة لها بفهم فرانز فانون للثقافة الوطنية في زمن التحرّر الوطني. ويبدو أنها أقرب إلى فهم القائم على «مؤسسة محمود درويش» ياسر عبد ربه (المسؤول عن إعلام السلطة الآن). العلاقة بين درويش وعبد ربه تستحق الانتباه عند دراسة تطورات المواقف السياسية عند الشاعر الراحل في سنوات ما بعد «أوسلو». الاثنان صاغا جانباً من ثقافة المرحلة الجديدة إذّاك. وهي مرحلة لم تصمد، لا هي ولا ثقافتها. الشاعر نائم في لغته، يتجدّد فيها مع كل طفل يتهجّى قصيدته. هل يمكن أن نحيّيه بطريقة أقل فظاظةً؟ أن نحبّه دون التوظيف السياسي الضيّق لذكراه؟


«جائزة محمود درويش» التي لم تتّضح آليات منحها، فاز بها الكاتبان برايتن برايتنباخ (جنوب أفريقيا) وأهداف سويف (مصر)