عزيز عرباوي يُعدّ كتاب الناقد المغربي إدريس الكريوي «جماليات القصة القصيرة: دراسات في الإبداع القصصي لدى علي القاسمي» (دار الثقافة في الدار البيضاء) من الأعمال النقدية القليلة التي تختص بنتاج كاتب واحد. يجمع الكتاب بين النظري والتطبيقي في النقد، كما يزاوج بين النقد البلاغي العربي والمناهج النقدية الغربية كمنهج تاريخ الأدب، والمنهج البنيوي... وإذا كان المؤلِّف يتناول جميع الإنتاج القصصي للقاسمي، فإنه يعطي تطبيقات نقدية عملية على ست قصص لهذا الكاتب والناقد العراقي المقيم في المغرب هي: «اللقاء»، و«رسالة من فتاة غريرة»، و«سأعود يا أمي»، و«الحذاء»، و«اكتئاب الكاتب» و«رسالة إلى حبيبتي». وتتجلّى في الكتاب ثقافة مؤلِّفه العميقة التي وظّفها بكثافة في دراسة القصص القصيرة والكشف عن أوجه الجمال اللغوي والفكري والتقني
فيها.
ونظراً إلى أن المؤلِّف باحث في التربية وعلم النفس، فقد نجح في قصص القاسمي تحليلاً نفسياً. يقول: «في مجموعته «حياة سابقة»، كانت النبرة النفسيّة خيطاً دقيقاً يتسرّب من قصة إلى أخرى، إلى درجة إعادة نسخ بعض الشخصيات مع تميُّز مضامين القصص المتشابهةِ الشخصيات واختلافها».

ستّ قصص للكاتب العراقي يشرّحها الناقد المغربي إدريس الكريوي

سبك المؤلِّف كتابه بلغة مكثفة استقاها من موهبته الشعرية وتقنياتها. وقد تبلورت اهتماماته الشعرية في تأويل نصوص القاسمي القصصية وفي البحث عن رموزها. يقول مثلاً: «... أما في قصة «الفراشة البيضاء»، فهناك رمزية اللون «البياض والحمرة»: الأول رمز الطهر والصفاء والجبلة والفطرة (الصفحة البيضاء)، والثاني رمز العنف والتعدي والاغتصاب. والجناحان في القصة رمز الاستطاعة والقوة على الطيران. وبتلاشيهما، أصبحت الفتاة محبطة فاشلة غير قادرة. وسيتصاعد الرمز في بعض القصص ليصبح إيديولوجية ومبدأً مترسخاً في الإنسان. فـ«القهوة» في قصة «لقد سقاني القهوة»، تبدأ واضحة للعيان في البداية، لتتسامى شيئاً فشيئاً فتصبح رشوة، وتمسي بعد ذلك مخدّراً أو كالمخدِّر الذي يُفقِد الإنسان إرادته، فيعتمد على الآخر من خلال «كرامة» قوامها احتساء القهوة وإسقاؤها الآخر، وهو اهتداء قريب من استعمال عباس محمود العقاد لهذه الرمزية في كتابه «ساعات بين الكتب والناس»».