صناعة متأخرة لا تُغري الفضائيات العربيّةبغداد ـــ حسام السراي
منذ ستّ سنوات حتى اليوم، لا يبدو مشهد الدراما العراقية مقنعاً بالنسبة إلى الوسط الفنيّ في بغداد. ويرى العاملون في هذا القطاع أن السبب الأوّل والأخير مرتبط بالجهات المنتجة، التي هي غالباً فضائيات عراقيّة، تحدّد مسبقاً شروطها لتمرير الرسائل التي تريدها من خلال الأعمال الدرامية.
ويبرز اتجاهان في العمل الدرامي العراقيّ: الأوّل يتمثّل في استعادة التاريخ السياسي والاجتماعي العراقي الحديث، مثل مسلسل «الباشا» (2008) الذي يروي سيرة رئيس الوزراء العراقي أثناء العهد الملكي نوري السعيد (قتل عام 1958)، ومسلسل «سارة خاتون» (2006) وهي إحدى الثريات البغداديات. أما الاتجاه الثاني فيتمثّل في مسلسلات حاولت أن تتناول الأحداث التي يعيشها العراق منذ الغزو الأميركي، وخصوصاً بعد عام 2006. ومن بين هذه الأعمال، مسلسل «ميليشيا الحبّ» (2006) الذي تدور أحداثه حول عصابات خطف الطالبات.
ورغم هذا الإنتاج، يبدو أغلب المخرجين والفنانين العراقيين، غير راضين عن كل ما تقدّمه الشاشات، لا على مستوى طموحاتهم الشخصية، ولا على مستوى التطورات السياسية والاجتماعية السريعة التي يشهدها العراق.
في هذا الإطار، يرى الفنان مناضل داود أنّ «الدراما هي في العادة صناعة، ونحن تراجعنا صناعياً، فضلاً عن أنّ أجندة الفضائيات المنتجة غير معنية بتقديم دراما حقيقية، بقدر ما يهمّها توجيه رسائل سياسية للمشاهد». ويضيف: «كنّا نأمل خيراً من فضائية «العراقية» التي يفترض أن تكون محطة الناس، بما أنها مموّلة من البرلمان، لكننا صدمنا بأن «العراقية» نائمة. هذا إلى جانب مشكلة المنتج المنفّذ الذي يضع نصف الميزانية في جيبه قبل المباشرة بالتصوير». ويستمرّ داود برصد المشاكل التي تواجهها الدراما العراقية، فيقول: «ليس لدينا مدراء تصوير حرفيّون. هناك أعمال تتضح فيها أميّة العين. وليس لدينا مخرج دراميّ يعمل وفق رؤيته الإبداعيّة، بل أسير تحكُّم المنتج به. وهذا الأخير هو من يختار الممثل والنصّ وحتّى مواقع التصوير». إلى جانب كل هذه المشاكل، تبرز واحدة إضافية ومهمّة، وهي الأجور المتدنية التي يتقاضاها الممثل العراقي، حتى وصل بعضهم إلى وصفها بـ«المهينة».
وفي ظلّ هذه الصورة السوداوية، يستثني مناضل داود عملاً درامياً واحداً هو «المواطن جي» (2007) للمخرج الراحل عدنان إبراهيم، «لأن إبراهيم كان يتمتع بجسارة المبدع الذي لم يكن يحبّ المال ويعطي للمشهد حقه...». ويرفض صاحب كتاب «مسرح التعزيّة في العراق» مقولة إنّ الأوضاع السياسية والأمنية تقف خلف تراجع وضع الدراما، «كلّنا متهمون بتردّي هذه الصناعة من البرلمان العراقي إلى الفضائيات إلى المنتج المنفّذ إلى الممثل الذي يقبل بأجور معيبة». وأخيراً يرى الفنان العراقي أن «نهضة العراق كفيلة بنهضة الدراما، من خلال القطاع الخاص الذي سيسعى إلى تقديم مادة ناجحة قادرة على المنافسة».
توافق الفنانة سوسن شكري، على ما قاله داود «الصناعة الدرامية في العراق متأخرة». وتعتبر أنّ «الوضع الأمني المتردي منذ سبع سنوات هو الضربة القاضية التي وُجهت للدراما العراقيّة» بسبب هجرة الكثير من الفنانين والمخرجين. ومن هناك، بدأوا بمحاولات جديدة تقودها جهات إنتاجيّة محدّدة هي الفضائيات العراقيّة.
من جهته، يذهب المخرج عزام صالح، في اتجاه معاكس، ليقول «هناك دراما واعدة لكن ينقصها منتج جيد». ومع ذلك، يقر بأنّ «الدراما العراقيّة لم ترتقِ إلى المستوى العربيّ والعالميّ». ويوضح صالح «أن المشكلة تكمن في أن الفضائيات تعد اليوم لسان حال الدراما، كونها مؤدلجة تطرح توجهاتها من خلال تلك المسلسلات، فتكون النتيجة أن الفنان لا يتمكّن من تقديم دراما ناضجة على المستوى الفنيّ والفكريّ والوطنيّ».
المخرج عزام صالح الذي بدأ ممثلاً في المسرح قبل تجربته مخرجاً في التلفزيون، حمّل «الدولة مسؤوليّة النهوض بالثقافة عموماً». صالح قدّم مسلسلات تناولت الواقع السياسيّ والاجتماعيّ المعاصر مثل «شوف على المكشوف» (2005) ) و«سيدة الرجال» (2006)، و«العولمة» (2006)... وأخرج أعمالاً عدة منها «أمطار النار»، و«سنوات النار» التي قدّمت مراجعات لحقبات من تاريخ العراق تضمنت إدانة للحرب ولما خسره العراق عبر سنوات من التفرد بالسلطة وما نتج منها من مقابر جماعيّة. ولا ينكر المخرج العراقي أن هناك فضائيات تسيّر المؤلّف بما يتّفق مع أهداف مموّليها، لافتاً إلى أنّ «الإنتاج العراقيّ هو رأس المشكلة لأنه لم يستطع اللحاق بركب الإنتاج العربيّ والتركيّ وحتّى الخليجيّ».


على الشاشة

بين الحبّ والحرب



باسم الحكيميبقى أخيراً، أن الدراما العراقيّة تحتاج فرصة عرضها على فضائيات عربيّة أكثر مشاهدةً من المحطات العراقيّة على غرار ما حصل مع «الحرب والسلام» الذي عرض على «روتانا خليجيّة». وحالها في هذا يشبه حال الدراما اللبنانيّة التي لم تجد بعد مَن يؤمن بها عربيّاً.