في «السهل المحترق» تَعانق الشمال والجنوبفي تجربته الإخراجية الأولى، يتابع السيناريست المكسيكي التنقّل في الزمان والمكان، ضمن قصة أشبه بأحجية يضيع المشاهد في متاهاتهايمثّل «السهل المحترق» المحاولة الإخراجية الأولى لكاتب السيناريو المكسيكي غيليرمو أرياغا بعد انفصاله عن شريكه أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، مخرج «بابل» و«21 غرام» و«الحب كلب» (كلها من كتابة أرياغا). الفرق أنّ موهبة أرياغا الإخراجية لا توازي قدراته على الكتابة. Burning Plain جاء أقرب إلى أحجية زمانية مكانية، تتطلب من المشاهد جهداً للمتابعة، فيفقد بالتالي لذة مشاهدة الفيلم والتواصل معه عاطفياً في خضم تركيب أجزاء الأحجية.
لا جديد تحت شمس هذا الفيلم الحارقة، الذي يدور في بلدة صغيرة في ولاية نيو مكسيكو تقع على الحدود الأميركية المكسيكية، ما يعني أنّ التفاعل بين البلدين متواصل ومتداخل ومتشابك إلى درجة يحترق العشيق المكسيكي مع عشيقته الأميركية في المشهد الأول من الفيلم. حتى إنّ جثتيهما تكونان في حالة التحام يجعل فصلهما قبل الدفن يتطلّب منشاراً. هكذا تدور الأحداث على طريقة التشابك لولا أن المخرج يُبكر في كشف العقد، فتتضح الأمور سريعاً ويصير الشريط عادياً ومألوفاً.
حوى «السهل المحترق» مجموعة من أكبر أسماء هوليوود، وخصوصاً في الدورين النسائيين الرئيسيين: هنا، تؤدي شارليز ثيرون دور سيلفيا مديرة مطعم راق تعيش صراعاً داخلياً تحاول التغلب عليه عبر العلاقات الجنسية العابرة. وفي أوقات فراغها، تفكر بالانتحار أو تشطيب جسمها. أما الدور النسائي الثاني، فهو لكيم بايسينجر التي تؤدي دور أم لأربعة أطفال تُدعى جينا، تعاني علاقتُها الزوجية مع روبرت (بريت كولين) مشاكل عدّة، أولاها عدم الانسجام الجنسي. هكذا تجد الحب في ذراعي رجل مكسيكي يُدعى نك (خواكيم دي ألميدا). ومع أنّ نيك متزوج ولديه أولاد، لكنّه يجد الحب مع جينا في تلك اللحظات التي يقضيانها في كارافان مهجور وسط سهل معزول.
هناك، يلتقي العاشقان ويبدأ الفيلم من مشهد انفجار الكارافان بسبب قارورة غاز، فيحترقان داخله. بعدها، ينتقل الشريط مباشرة إلى مدينة پورتلاند في ولاية أوريغون حيث نرى سيلفيا تقف عارية في غرفة بائسة وتطرد رجلاً آخر من سريرها. لاحقاً، تكتشف ماريانا (جنيفر لورانس) ابنة جينا وسانتياغو (المكسيكي داني پينو) ابن نيك العلاقة بين أمها وأبيه، وسرعان ما تنشأ بينهما علاقة مماثلة، بالانصهار نفسه. وبعد أن يهربا معاً الى المكسيك، تترك ماريانا سانتياغو وابنتها بعد ولادتها وتختفي بعدما اتخذت اسماً مستعاراً هو سيلفيا. هذا الهرب من الماضي هو هرب من الشعور بالذنب، إذ نكتشف تباعاً أنّ ماريانا أو سيلفيا كانت مسؤولة عن قتل والدتها وعشيقها في الكارافان.
هكذان يبقى سانتياغو وابنته في المكسيك حيث يعملان في رش المبيدات الزراعية من طائرتهما الصغيرة. وفي أحد الأيام، تهوي طائرة سانتياغو ويكاد يفقد حياته في الحادث. ثم يرسل صديقه ومعه ابنته التي صارت في سن الثانية عشرة إلى الولايات المتحدة في محاولة لايجاد أمّها.
يحتوي الشريط على رسائل عدّة، بينها فكرة الماضي الذي يلاحق الإنسان مهما حاول الهرب منه وأخطاء الآباء التي يدفع ثمنها دوماً الأبناء. ولو استعمل أرياغا السرد الزمني المتسلسل، لربما كان الفيلم أقوى بدلاً من هذا التخفي في صناعة شريط يعود بقصته بشكل أو بآخر إلى مسرحية هنريك إبسن «أشباح» التي تعالج أخطاء الآباء، مع فارق أنّ الكاتب المسرحي النروجي الشهير (١٨٢٨ـــ ١٩٠٦) كان قد عالج القضية علاجاً أكثر تأثيراً، وذلك في عام 1881.
مع ذلك، فـ«السهل المحترق» يستحق المشاهدة. فيلم صغير وجميل وذو إيقاع هادئ وحزين. يتعب المشاهد لأنّه يدفعه إلى التفكير. لكنّه بذلك أفضل من معظم الأفلام التي تضخها الآلة الهوليوودية كالأعمال الملأى بالرعب والعنف والدم. هكذا، يظلّ «السهل المحترق» استراحة ــــ ولو متعبة ــــ تستحق المشاهدة.
عماد...

Burning Plain: «غراند سينما ABC»، «غراند كونكورد»، «بلانيت أبراج»، «بلانيت الزوق».