منذ توقّفنا عن الإنتاج، لم ننتج سوى المنع! بعد «حظر» المفكّر نصر حامد أبو زيد في الكويت، قدّم نواب في مجلس الأمة مشروع قانون، يهدف إلى منع كل من «يسيء إلى الذات الإلهية أو الصحابة» من دخول البلاد
محمد خير
ترى هل تعلّم النواب الكويتيون في مدرسة أنور السادات؟ لنرجع 30 عاماً إلى الوراء، إلى تلك القصة الطريفة، حين أراد الرئيس المصري الراحل تعديل الدستور، كي يسمح لنفسه بالترشّح للرئاسة مدى الحياة، بدلاً من ولايتين فقط، لكن التعديل كان يحتاج إلى استفتاء شعبي، فكيف يجعل رغبته تلك «شعبية»؟ لم يكن ذلك صعباً، إذ أضاف إلى الاستفتاء تعديلاً آخر، أعلن فيه أن الشريعة الإسلامية أصبحت «المصدر الرئيسي للتشريع». هل يمكن بلد الأزهر أن يرفض تعديلاً مماثلاً؟ بالطبع لا، المشكلة أن الاستفتاء يلزم المواطن بقبول التعديلين أو رفضهما معاً. هكذا تحقّق للرئيس ما أراد، لكن القدر كان أسبق، إذ اغتيل الرئيس بعد الاستفتاء بعام واحد، وقبل عام من نهاية ولايته الثانية.
لم يستفد الرئيس إذاً من تعديل الدستور، لكنّ كثيرين استفادوا من «الفكرة»، فأصبح دمج المطالب وسيلة سحرية لتمريرها، أو أقلّه لتسويقها شعبياً. ولا يختلف عن ذلك الاقتراح الذي تقدّم به النواب الكويتيون السلفيون لـ«حظر دخول مَن يسيء إلى الذات الإلهية، أو يسبّ الصحابة إلى البلاد» (راجع الكادر). غير أن الاقتراح الكويتي أكثر شمولاً، إذ إن طرفي الحظر «المسيء إلى الذات الإلهية» و«من يسبّ الصحابة» قد يحلان محل بعضهما بعضاً وفق الحالة والحاجة. وبالدمج بين الطرفين، يمكن منع مفكّر نقدي مثل نصر حامد أبو زيد، ومنع داعية شيعي مثل الشيخ باقر الفالي، وداعية سلفي مثل الشيخ العريفي... كل ذلك بضربة تعديل واحد، تعديل سلفي وطائفي معاً. لقد مُنعت فعلاً الأسماء الثلاثة من دخول الكويت قبل تقديم الاقتراح، لكن لنتأمل أوّلاً «مرونة» الاقتراح ذاته: وفقاً للمفهوم السلفي النصّي، يمكن اعتبار أيّ من أهل المدرسة النقدية في الإسلام «مسيئاً إلى الدين، أو إلى الذات الإلهية». إذ إنه يراجع ما لا يمكن قبول مراجعته وفقاً للسلفيّين، الذين لا يتوقفون عند النصّ المقدس نفسه، بل يعدّون أقوال الصحابة، وإجماع الفقهاء، لزوميات قد تعدّ مخالفتها أو مراجعتها خروجاً من الملّة وعنها، وذلك ما أدّى إلى خلاصة مفادها عبثية الحوار بين السلفيين من جهة، ونصر أبو زيد أو صادق جلال العظم من جهة أخرى. الجانبان أرضان مختلفتان تماماً لا تلتقيان بالحوار بل بالمواجهة.

لنتذكر أنّ القوانين الأكثر رجعيةً تحميها فئات شعبية


لا يختلف ذلك كثيراً عن نصّ اقتراح النواب بحظر دخول «مَن يسبّ الصحابة». المعروف أن قضية الصحابة هي في لبّ الخلاف السنّي الشيعي، وهي مادة لا تمر مرور الكرام في بلد فيه مواطنون شيعة. لم يكن غريباً إذاً أن يرفض تسعة نواب شيعة منح توقيعاتهم لاقتراح النواب السلفيّين، حتى بعدما أضاف أولئك إلى الاقتراح حظر «المسيء إلى الذات الإلهية». فذلك الحظر قد يستهدف أشخاصاً معدودين، بينما النص المتعلق بالصحابة قد يُستخدم في التعاطي مع طائفة بأكملها.
لكن «الحظر» بحد ذاته، المنع، والرقابة، والحذف والحجب كلّها ليست غريبة على نواب المعارضة الكويتية، التي «كافحت» طويلاً ضد منح المرأة حقوقها السياسية. فمن الغريب والمؤسف في العالم العربي أن الأطياف الواسعة من المعارضة، تكون عادةً أكثر تأخراً من الأنظمة ذاتها إزاء قضايا الحقوق الشخصية. لنتذكر أن أمير الكويت اضطر إلى حلّ البرلمان مراراً كي ينتزع الموافقة على حق المرأة في الترشّح والانتخاب. ولنتذكر أن معارضين برلمانيين في مصر احتجوا بشراسة على تجريم ختان الإناث. لنتذكر أن القوانين الأكثر رجعية تحميها الفئات الأكثر شعبية، وأن حذف المذهب من خانة الهوية في لبنان جاء من أعلى لا من أسفل... وأن العرب منذ امتنعوا عن الإنتاج لم ينتجوا سوى المنع.


مشروع القانون

قدّم عدد من النواب الكويتيين السلفيين الخميس الماضي اقتراحاً إلى مجلس الأمة يطالب بمنع كل الشخصيات التي «تسيء إلى الذات الإلهية أو تسبّ الصحابة» من دخول الكويت. فيما رفض تسعة نواب شيعة توقيع عريضة المشروع المقدّمة إلى البرلمان، معتبرين أنّ الاقتراح يستهدف العقيدة الشيعية. ويأتي مشروع القرار إثر الأزمة التي اندلعت بين الحكومة وأعضاء مجلس الأمة، على خلفية قرار وزارة الداخلية وضع اسم الداعية محمد العريفي، على قوائم الممنوعين من دخول الكويت بسبب الاتهامات التي وجّهها إلى «الشيعة». وقد وصف العريفي المرجع الشيعي، علي السيستاني، بأنه «زنديق وفاجر».