الأداء هو نقطة القوّة الوحيدة في ألبومه الجديد، فيما يغلب عليه فقر هارموني، وتكرار مملّ يُضعف البنية اللحنية العامة
بشير صفير
مالك جندلي موسيقيّ سوري مولود في ألمانيا (1972)، درس البيانو والتأليف الموسيقي، ونال أعلى الشهادات من أميركا. هذا العازف ممتاز وأداؤه حسّاس في التوجه الموسيقي الخفيف لا في الأداء الكلاسيكي الصارم. انطلاقاً من ذلك، فإنّ الأداء في أسطوانته الجديدة «أصداء من أوغاريت» هو نقطة القوّة الوحيدة في العمل، بسبب براعة جندلي ومستوى الأوركسترا الرفيع، وسهولة المقطوعات التي لا تعترض تنفيذها مطبّاتٌ تُذكر.
إذاً، في جديده، يقدّم جندلي ثماني مقطوعات للبيانو والأوركسترا من تأليفه، ترافقه الأوركسترا الفلهارمونية الروسية (!). يقول جندلي عن أعماله إنّها تجمع بين عناصر الموسيقى الكلاسيكية الغربية والأنغام الشرقية، إلّا أن تنميطها الدقيق هو غير ذلك. إذ إنّها تنتمي كلياً أو جزئياً إلى الـNew Age (الشق المحافِظ منه تحديداً)، أي ذاك التيار الذي يمكن وصفه بالكلاسيكي المزيَّف، تماماً كالسلع المقلَّدة في لغة المواد الاستهلاكية. وفي أحسن الأحوال، يمكن إدراج أجزاء منها في خانة الكلاسيكي المحافظ.
عموماً، تتخلّل بعض المحطات استعارات من التراث الشرقي. الفواصل كما الحوارات بين البيانو والأوركسترا أو بعض أعضائها، مستنزَفة الطابع، ما يجعلها كليشيهات من دون تأثير. الكتابة الهارمونية، إضافة إلى حضورها الخجول نسبةً إلى المتاح (والضروري) في هذا الشكل الموسيقي، تكاد تكون من لونٍ واحدٍ، وهي في غاية البساطة، ولا تتعدّى ألِف ـــــ باء الكتابة العمودية. عدا عن الفقر الهارموني، هناك فقر في الألحان، وتكرار مملّ يضعف البنية اللحنية العامة.
في «أندلس»، كما في مقطوعات أخرى من الأسطوانة، يذكّرنا صولو البيانو بكلايدرمان السيّئ الذكر، ويستخدم جندلي التانغو، مشيراً إلى الأصول العربية لهذا الإيقاع! أمّا النهاية، فمستوحاة من رخمانينوف، المؤلف الذي كان، قبل قرن، محافظاً، وعلى حافة الرجعيّة. وعن «حلم البيانو»، وهي الأكثر ركاكةً هارمونياً، يقول المؤلف إنها «قد تذكّر بتوكاتا

لا يمثّل الفنان تيار الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة في سوريا

(Toccata) لباخ» (!) رغم الأميال (أو بالأحرى الشعرة) التي تفصل بين جوهرَيهما. وبعد الاستعراض على البيانو في «ليل»، والتلميحات التراثية العربية، يقع المؤلف في عقم تطوير اللحن، فيلجأ إلى التغييرات الديناميكية بين الهادئ والعنفواني. وهكذا دواليك، حتى نصل إلى مقطوعة «أصداء من أوغاريت»، التي يقال إنها أقدم موسيقى في التاريخ. وجدها قبل سنوات منقّبون في رأس شمرا في سوريا (أي أوغاريت قديماً)، وفكّوا رموزها المحفورة على لوحات مسمارية (تعود إلى سنة 3400 ق. م.). وزّعها جندلي استناداً إلى أبحاث الاختصاصيين، وهي الأنجح في الأسطوانة، لأنها جميلة في بدائيتها.
الحق يقال، إن مالك جندلي لا يمثّل تيار الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة في سوريا. فالكثير من مواطنيه وأترابه يبدعون أعمالاً جديرة بأن تحظى بالإنتاج والدعم، لأنها فعلاً تنمّ عن ثقافة ورؤية طليعية استثنائية وغير مدّعية. نذكر منهم على سبيل المثال زيد جبري وكريم رستم وشفيع بدر الدين.