موضوع الرقابة بات على الموضة في لبنان. بعد مؤتمر «سكايز» الذي خلط بين تقييد الإعلام ومصادرة الإبداع، عربيّاً ومتوسّطيّاً، جاء دور الملحق الأدبي في «لوريان لوجور» ليدين أمس تلك «الممارسات البائدة». لكن... أين رسمة مازن كرباج؟
بيار أبي صعب
القرّاء الفرنكوفون الذين لم يجدوا رسمة مازن كرباج الشهريّة في مكانها المعهود، صباح أمس، في L’Orient Littéraire، الملحق الأدبي لجريدة «لوريان لوجور» البيروتيّة العريقة (بالفرنسيّة)... ربّما خيّل إليهم أنّ زميلنا المشاكس في إجازة. أو أنّه انسحب إلى محترفه بحثاً عن أفكار وقوالب جديدة، كما فعلها معنا في «الأخبار»، إذ قتل كل شخصيّات «هذه القصّة تجري...» ـــــ بما فيها صنوه غير المعلن «الفنّان الكلاسيكي المعاصر» ـــــ وأنهى القصّة! لكنّ أحداً لم يخطر بباله أن «كارابادجيو» وقع ضحيّة الرقابة في «الأوريان»، مرّتين خلال يوم واحد، تحديداً في العدد الذي اختار أن يتصدّى لمسألة الرقابة في لبنان!
كيف نقنع «رقباءنا المحلّيين بأن مقصّاتهم تنتمي إلى أزمنة بائدة، وبأن الوسائل التي يعتمدونها باتت فعلاً من مخلّفات قرن ولّى واندثر؟»، يكتب ميشال حاجي جورجيو في مقالة مطوّلة تتصدّر الصفحة الأولى من الملحق الأدبي، وتسلّط نظرة ملؤها السخرية إلى «دام أناستازي»، كما كانت تُكنّى الرقابة في فرنسا القرن التاسع عشر... ويمضي الكاتب متأثّراً بمناخات مؤتمر «سكايز» الثوريّة قبل أيّام، في استعراض ممارسات الرقابة الخاضعة لسيطرة جهاز الأمن العام... قبل أن يدعو إلى اعتماد «التوعية والتثقيف بدلاً من المنع، والمسؤوليّة بدلاً من القمع». خاتماً أن «الرقابة تولّد الرقابة الذاتيّة، وبالتالي التبعيّة والقمع والوصاية على الفرد باعتباره قاصراً، وفي النهاية تولّد الجهل فالعنف».
وهناك افتتاحيّة ألكسندر نجّار! رئيس تحرير «لوريان ليترار»، مصعوق بعدما اقتطع الأمن العام صفحة من مجلّة «لوبوان» الأسبوعيّة، بسبب موضوع عن ارتداء «البرقع» في فرنسا. (هذا الزيّ الذي يقتصر على بضع مئات من النساء، بات خطراً يخلخل أساسات الجمهوريّة الفرنسيّة، إذا أخذنا بحجم النقاش على الساحة العامة هناك!). لكن معركة الدفاع عن حريّة التعبير تنتهي لدى نجّار، على ما يبدو، عند حدود المجلّة الفرنسيّة، ورواية بوليسيّة SAS بعنوان «قائمة الحريري» بحث عنها في الأسواق اللبنانيّة ولم يجدها. هنا ينقلب الأديب الفرنكوفوني مسلّطاً إصبع الاتهام على «صحف صفراء تملأ الأكشاك» ـــــ من دون أن يسمّيها ـــــ «مموّلة من الخارج أو من جماعات متطرّفة... تنشر الأخبار الكاذبة والشائعات وتشوّه الحقائق... وتطلق الشتائم العنصريّة». من مُدافع عن حريّة التعبير، تحوّل الرجل إذاً، من دون سابق إنذار، إلى واشٍ يحرّض الرقابة على استئناف رياضتها المفضّلة: أي منع الصحف التي لم ترق أديبنا، لحمايته من آفات التطرّف والعنصريّة.
لكن ماذا عن رسمة مازن كرباج التي تفضح ـــــ كعادة صاحبها ـــــ عنصريّة اللبنانيّين في التعاطي مع عاملات المنازل (انظر الرسمة الأولى)؟ لقد رأى فيها نجّار شيئاً من قلّة الذوق، واعتذر عن عدم نشرها، كما علمنا من رسالة احتجاج إلكترونيّة وجّهها سكرتير تحرير الملحق ألكسندر مدوّر، إلى مجموعة من الإعلاميّين. استغرب مازن أن يحدث ذلك في عدد مخصص للرقابة، مذكّراً بأن أسلوبه في السخرية ليس جديداً. وكبديل اقترح على «لوريان ليترار» رسمة قديمة، كان قد رفضها الملحق عام ٢٠٠٤، لتكون بمثابة غمزة لطيفة، أو نوعاً من النقد الذاتي للجريدة يعطيها مزيداً من الصدقيّة في دفاعها اليوم عن حريّة التعبير (أنظر الرسمة الثانية). هذه المرّة تدخّل شخصيّاً نجيب عون، رئيس تحرير «لوريان»، لرفض الرسمة، يخبرنا ألكسندر مدوّر. ممنوع يعني ممنوع يا مازن، يا حبيبي! «لوريان لوجور» ضد الرقابة، لكن بحدود. و«الأخبار» ضدّ الرقابة الذاتيّة التي «تمهّد للجهل فالعنف» بتعبير حاجي جورجيو، في «الأوريان» وفي كل الصحف اللبنانيّة والعربيّة.