من خلال توثيق المحاضرات التي ألقاها الفائزون، يطرح كتاب «محاضرات نوبل» الذي عرّبه عبد الإله الملاح («دار العبيكان»، و«مؤسسة محمد بن راشد») علامات استفهام كثيرة حول الجائزة المثيرة للاهتمام، وللجدل أحياناً
خليل صويلح
من يذكر اسم سولي برودوم؟ إنه على أي حال أول من حصد جائزة نوبل للأدب في موسمها الأول (1901)، لكن الجائزة لاعتبارات كثيرة لا تنقصها التناقضات، تجاهلت أسماء كبيرة خلال تاريخها الطويل، في مقدمها الروائي الروسي تولستوي الذي رفض لاحقاً ترشّحه للجائزة. هناك أيضاً فيرجينيا وولف، وإميل زولا، وغراهام غرين، وهنري جيمس، وإيتالو كالفينو.. في «محاضرات نوبل» الكتاب الذي أصدرته جامعة ملبورن الأوسترالية، ونقله إلى العربية عبد الإله الملاح («دار العبيكان» ـــــ الرياض، و«مؤسسة محمد بن راشد» ـــــ دبي) نجد توثيقاً للمحاضرات التي ألقاها المكرّمون بجائزة نوبل للأدب في الفترة بين 1986 و2005، فضلاً عن ثبت إحصائي بأسماء الفائزين، ومن رفض الجائزة، ونسبة النساء إلى الرجال. تتفوق الإنكليزية على ما عداها من اللغات في قائمة «نوبل»، وتليها الفرنسية. ولولا نجيب محفوظ (1988)، لكانت سقطت اللغة العربية من سجل هذه الجائزة المثيرة للجدل. لنتذكّر هنا أن السلطات السوفياتية منعت بوريس باسترناك (1958) من تسلّم الجائزة، فيما رفض جان بول سارتر قبولها (1964)، ولاحقاً اعترف الألماني غونتر غراس (1999) بأنه أمضى خدمته العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية في القوات النازية. اليوم، يقف في طابور المرشحين للجائزة نحو مئتي مرشح، لكن لا أحد يعلم تماماً ماذا يجري في المطبخ السرّي للأكاديمية السويدية، وإن أكدت مراراً في أسباب اختيارها كاتباً دون سواه «العمق الأخلاقي والنزاهة الفكرية والإنسانية». في 1986، بررت لجنة الجائزة اختيارها الكاتب النيجيري وول سونيكا بأنه «يصوغ دراما الوجود من منظورات ثقافية واسعة بمسحة شعرية». لكن صاحب «المترجمون» شنّ في الكلمة التي ألقاها عشيّة تكريمه، حملةً ضارية على الكولونيالية التي دمّرت الأصول الأفريقية ونهبت ثروات القارة السوداء، وأرغمت شعبها على الخضوع «حتى الركوع على ركبتيه». وسوف تغامر الأكاديمية السويدية باختيار أول كاتب عربي في تاريخ الجائزة، هو نجيب محفوظ (1988). إذ أثنت الأكاديمية عليه بوصفه كاتباً «أطلق عبر أعماله الغنية بالتنويعات الدقيقة، فكان حيناً واقعياً واضح الرؤية، وحيناً موحياً عند الالتباس، فن سرد عربي تفيد منه البشرية جمعاء». وكان اختيار توني موريسون (1993) مفاجأة حقيقية باعتبارها أول روائية أميركية سوداء تحصد الجائزة. وقد وصفت اللجنة أعمالها بأنها تتّسم «بقوة الرؤى والمضمون الشعري، وتمنح الحياة للجانب الجوهري من الحقيقة الأميركية». لعلها صحوة متأخرة نحو أدب السود في أميركا، وإعادة تقويم «لسان خرّب نفسه تحت وطأة العبودية وحرب الإبادة». بانصراف القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة، حطّت جائزة «نوبل» رحالها في الصين، لتختار كاتباً إشكالياً هو جاو كسينغجيان. كاتب منشقّ، دفع فاتورة باهظة في ظل الثورة الثقافية في الصين التي حجبت وصول أعماله خارج حدود بلاده، إلى أن غادر بكين إلى باريس إثر مذبحة «تيانانمين» (1989)، وبات شخصاً غير مرغوب فيه بعد تخلّيه عن الحزب الشيوعي الصيني. في المحاضرة التي ألقاها في استوكهولم، أكد صاحب «جبل الروح» أهمية أن يكون الأدب صوت الفرد للخلاص من ندوب «ترنيمة الأمة وراية السلالات»، فالأدب وفقاً لما يقوله «تأكيد أصيل لقيم المرء الذاتية».
من جهتها، تؤكد الروائية والمسرحية النمسوية إلفريدة يلينيك (2004) أهمية الهامش وانتهاك اللغة في فضح المهمل. ذلك أن

لولا نجيب محفوظ لسقطت العربيّة من سجلّ الجائزة
صاحبة «معلمة البيانو» كانت تجد في الكتابة نوعاً من العلاج الذاتي وحرباً معلنة مع اللغة في المقام الأول. إذ تكشف في كتاباتها عن «حماس لغوي خارق يظهر عبث وسطوة العبارات المبتذلة التي يتداولها المجتمع»، إضافةً إلى بحثها العميق في العنف والفاشية.في عام 2005 وقع خيار جائزة «نوبل» على الكاتب المسرحي البريطاني هارولد بنتر باعتباره «يكشف شفير الهاوية تحت هذر الحياة اليومية ويفرض ولوج غرف الاضطهاد المغلقة». فكانت كلمته أشبه بخطبة لاذعة وصرخة احتجاج مدويّة عمّا يحدث في العالم من انتهاكات للكرامة البشرية، وفضح السجل الأسود لبلاده، ولأميركا خصوصاً من نيكارغوا إلى العراق، واصفاً إياها بـ«بائع متجوّل ومتعجرف ومجرم حرب، يبيع القنابل العنقودية وأعمال القتل العشوائي والبؤس والمهانة، في نسيج من الأكاذيب». هل حققت الأكاديمية السويدية وصية الفريد نوبل بتكريم «الاتجاه المثالي» في الأدب؟ هناك بالطبع علامات استفهام كثيرة حول توجهات الجائزة ودقة بوصلتها، فضلاً عن حيرتها بين الجمالي والسياسي. لكنها في المقابل وضعت في اعتبارها على الدوام نصوص الثقافات المقموعة والهويات المضطهدة وعبودية التاريخ.