مشروع الفيلم عن حياة مؤسس الجزائر الحديثة، عالق بين أخذ وردّ. لكنّ موضة السينما التاريخيّة تكاد لا توفر شهيداً في بلد المليون شهيد
الجزائر ــ سعيد خطيبي
أثار إنجاز شريط سينمائي عن حياة الأمير عبد القادر الجزائري آراء متضاربة بين الأوساط الثقافية في الجزائر. وقد تخوّف المعنيّون بإنجاز الفيلم، الذي يتناول مؤسس الجزائر الحديثة، من تخلّي وزارة الثقافة عن دعمه بسبب عجزها عن تغطية تكاليفه، إضافةً إلى امتعاضها من تصريحات رئيس «جمعية الأمير عبد القادر» محمد بوطالب المتناقضة. هذا الأخير حمّل نفسه عاتق البحث عن مموّل للفيلم، من دون تحديد نهائي للسيناريو. وهذه نقطة حساسة، وخصوصاً أنّ حياة الأمير عبد القادر الجزائري تشوبها بعض المحطات الغامضة، ما يستوجب التعامل معها بدقة.
خلال السنتين الماضيتين، بقي بوطالب يدافع عن سيناريو الكاتب بوعلام بسايح، مع إبداء بعض التحفظات عليه، رافضاً التعامل مع السيناريو المقتبس عن رواية واسيني الأعرج «كتاب الأمير» («الآداب» ـــــ 2005). وكانت حفيدة الأمير عبد القادر الأميرة بديعة (مقيمة في دمشق) قد اتهمت القائمين على الجمعية بالمتاجرة باسم مؤسس الدّولة الجزائرية الحديثة، بدل الدفاع عن أفكاره.
وفي انتظار بعث مشروع الفيلم، شهدت السّاحة الفنية الجزائرية «موضة» جديدة تتمثل في الميل إلى إنجاز أفلام تتناول شخصيات تاريخية، على رأسها روّاد الثورة الجزائرية. موضة أسهمت في تنشيط الحركة السينمائية الراكدة جزئياً، لكنّها أثارت في المقابل خلافات بين السينمائيين أنفسهم من جهة، والسينمائيين والرأي العام من جهة أخرى.
وفجّر شريط «أسد الجزائر» (2008) للمخرج أحمد راشدي أولى شرارات الجدل. يستعيد العمل وقائع من حياة الشهيد مصطفى بن بولعيد، بميزانية قدّرت بأربعة ملايين يورو. حضر العرض الأول لهذا العمل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، قبل أن يتلقّى مخرجه وابلاً من الانتقادات. حتّى إنّ أحدهم وصف العمل بأنّه «يذكّر بالأفلام السوفياتية الدعائية التي تغيب عنها التفاصيل الإنسانية الصغيرة والبسيطة لمصلحة الأفكار الكبيرة». ورغم مشاركته في العديد من المهرجانات الدولية، لم ينل الشريط أي جائزة، عدا جائزة أفضل ممثل لحسان كشاش في «المهرجان الدولي للفيلم العربي» في مدينة وهران الجزائرية (2009). تواصلت الانتقادات، وجاء بعضها على لسان عائلات الشخصيات التاريخية التي تعرّض لها الفيلم، على غرار الرئيس الأسبق محمد بوضياف (1919ــــ1992). اتهمت عائلة الأخير، على لسان أخيه عيسى، كاتب السيناريو الصادق بخوش بتشويه صورة بوضياف من خلال التركيز على صورته بأنه رجل مدمن على التدخين فقط لا غير. واتهمت العائلة الكاتب بتناسي مكانة بوضياف المحوريّة في اندلاع الثورة التحريرية (1954).

عودة لخضر حامينا في فيلم عن الثورة

لم تمرّ أسابيع قليلة على عاصفة بن بولعيد، وشريط أحمد راشدي الذي مثّل خيبة أمل جماهيرية واسعة، حتى عاد الصادق بخوش (صاحب شركة إنتاج «ميسان بلقيس فيلم») إلى الواجهة. إذ أعلن انطلاق التحضيرات لفيلم تاريخي جديد عن شخصية الشهيد العقيد لطفي (1934ـــــ1960) مع الاستعانة بالمخرج جعفر قاسم.
بعد ذلك، دخل المخرج لمين مرباح في خلاف واسع مع زميله سعيد ولد خليفة بشأن أحقيّة كل منهما في إخراج فيلم عن الشهيد أحمد زبانة (1926ــــ1956) والاستفادة لذلك من دعم وزارتي الثقافة والمجاهدين، علماً بأنّ ولد خليفة يتمتع بحظوظ أوفر، لأنه سيشتغل على سيناريو من توقيع كاتب الدولة المكلف بالإعلام عز الدين ميهوبي. اللافت في القضية، أنّ الشخصيّتين موضع المشادّة الفنيّة، أي العقيد لطفي وأحمد زبانة، ولدا في المنطقة نفسها التي ولد فيها الرئيس الجزائري بوتفليقة (غرب الجزائر).
في النهاية، تجدر الإشارة إلى العودة المنتظرة للخضر حامينا بعد غياب طويل. من بوابة التاريخ أيضاً... إذ أعلن صاحب «السّعفة الذهبية» في «مهرجان كان» عام 1975 إمكان انطلاق تصوير فيلم جديد عن الثورة التحريرية نهاية آذار (مارس) المقبل، متحفّظاً عن الخوض في التفاصيل.