حصار إعلاني رسمي يؤدي إلى إفلاس «لو جورنال»عبد الإله الصالحي
«إنه قرار سياسي يهدف إلى إعدام المجلة. وعليه، أُعلن اعتزالي العمل الصحافي في المغرب واختيار المنفى الطوعي» هكذا علّق أبو بكر الجامعي رئيس تحرير أسبوعيةLe Journal Hebdomadaire على إغلاق السلطات مقر المجلة تنفيذاً لحكم يطالبها بتسديد 450 ألف يورو للضمان الاجتماعي. وكان الجامعي قد أقر سابقاً بوجود مشاكل مالية، لكنّه أوضح أن إفلاس المجلة يعود إلى دوائر نافذة في الحكم فرضت حصاراً إعلانياً عليها. وأشار بالاسم إلى منير الماجيدي سكرتير الملك محمد السادس، الذي أمر كبار المعلنين بمقاطعة المجلة.
متاعب «لو جورنال» بدأت منذ تأسيسها قبل 12 عاماً حين قرر أبو بكر الجامعي وفاضل العراقي وعلي عمّار وحسن المنصوري، في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1997، إصدار مطبوعة مستقلة تهتم بالراهن المغربي بجرأة. تاريخ التأسيس كان في غاية الرمزية. إذ أتى بعد ثلاثة أيام من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي تمخض عنها فوز حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض. يومها، عيّن الملك الحسن الثاني عبد الرحمن اليوسفي رئيساً للوزراء في مبادرة تاريخية اشتهرت بمرحلة التناوب قرر خلالها الملك إسناد الحكم للمعارضة. لهذا، اعتبر الجامعي وأصدقاؤه أنهم «أبناء التناوب» وأن مجلتهم عكست رغبة جيل كامل بمغرب جديد مبني على أسس ديموقراطية وعادلة. ولأنّ مطابع المغرب كانت تخشى خطها التحريري، قررت المجلة طباعة صفحاتها في فرنسا. ورغم شراسة انتقاداتها لنظامه، كان الحسن الثاني معجباً بالمجلة. حتى أنّه عرض مساعدتها لاقتناء مطبعة في المغرب لأنه لم يستسغ طباعتها خارج البلاد. لكن الجامعي ورفاقه رفضوا هذا العرض المغري الذي وصلهم عبر وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري حرصاً على استقلالية الصحيفة.
وبعد بضعة أعداد ركزت على مواضيع اقتصادية ومالية، شرعت المجلّة في نبش خفايا الحكم ودواليب السياسة بطريقة غير مسبوقة. أولى الصدمات كانت تخصيصها غلافاً يدعو إلى رحيل إدريس البصري عن وزارة الداخلية رغم أنّه كان بمثابة الذراع اليمنى للحسن الثاني. وفي 1999، فاجأت الجميع بنشرها حواراً مع فاطمة أوفقير زوجة الجنرال الشهير الذي قاد انقلاب 1973 الفاشل ضد الحسن الثاني، وقضت 20 عاماً في معتقل سري مع عائلتها بقرار من الملك. وخلافاً لما كان متوقعاً، لم يغضب الملك ولم ينتقم من المجلة. بعد موت الحسن الثاني، صارت «لو جورنال» بمثابة أيقونة للعهد الجديد وواجهة جذابة لحكم الملك الشاب محمد السادس الذي رفع شعار التغيير. لكن سرعان ما توترت العلاقة بين المجلة والسلطة، ذلك أن إدارة «لو جورنال» لم تتورع عن توجيه الانتقادات للملك.
وفي غضون سنوات، حققت «لو جورنال» للصحافة المغربية ما لم تحقّقه الصحافة الحزبية في ثلاثة عقود. هكذا توالت الأغلفة الصادمة. وكانت الذروة عام 2000 حين نشرت المجلة رسالة للمعارض محمد البصري يشير فيها إلى تورط قيادات الاتحاد الاشتراكي في انقلاب أوفقير ومنهم رئيس الوزراء آنذاك عبد الرحمن اليوسفي. وكانت تلك فرصة ليصفي المقربون من الملك حساباتهم مع المجلة حيث أُغلقت بقرار حكومي. غير أن الجامعي وأصدقاءه برهنوا على أنهم صحافيون من طينة نادرة، ذلك أنهم استغلوا علاقاتهم الدولية وقاموا بحملة عالمية للتنديد بإغلاق المجلة. وذهب الجامعي حد الإضراب عن الطعام إلى أن رُخّص له بإصدار المجلة تحت اسم جديد لتتحول «لو جورنال» إلى «لو جورنال إيبدومادير». لم تتراجع المجلة عن خطها الجريء بل ذهبت حد نشر حوار مع زعيم جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز، عدو المملكة اللدود. ما دفع السلطات إلى سحب العدد من الأكشاك.
تزايدت المضايقات ضد المجلة. هكذا، انهارت موازنة الشركة الناشرة وتراجعت نسبة الإعلانات إلى 80 في المئة بسبب الطوق الإعلاني. ثم صدر حكم ضدها عام 2003 يقضي بتسديد غرامة خيالية لوزير الخارجية السابق محمد بن عيسى. وعام 2006 صدر حكم آخر بتسديد 270 ألف يورو لرئيس مركز دراسات استراتيجية بلجيكي مغمور الذي اعتبرت المجلة دراسته عن الصحراء منحازة للمغرب. ولإنقاذ المجلة من الإفلاس، قرر الجامعي مغادرة البلاد واستقر في الولايات المتحدة. غير أنّه عاد قبل أشهر ليواصل كتابة افتتاحياته النارية. وآخرها انتقد فيها التعاطي الفاشل للدبلوماسية المغربية في قضية الناشطة الصحراوية أميناتو حيدر. ما جعل الدوائر العليا في البلاد تتحرك للتعجيل في إسكات المجلة. ويرى المتتبعون أن تجربة «لو جورنال» كانت مرتبطة بسياقها السياسي وأن قبرها هو بمثابة طي ميكيافيلي لصفحة الربيع المغربي ونهاية حتمية لآمال جيل كامل في مغرب حرّ وديموقراطي.


zoom

سوء الفهم الكبيراللافت أن علي عمار شكر في ختام الكتاب الأمير مولاي هشام وزوجته مليكة فيما يشبه الهدية المسمومة، ما جعل الأمير يخرج عن صمته ويتهم عمار بالكذب والتلفيق. فالأمير الذي يريد طي صفحة الجفاء مع الملك محمد السادس، لا يرغب بمشاكل إضافية مع ابن عمه. كما أن أبو بكر الجامعي لم يصدر عنه أي تعليق يذكر حول الكتاب رغم كونه الشخصية الأساسية في تجربة «لو جورنال». وبعد قرار الإقفال النهائي للمجلة، لمح الجامعي إلى مشروع كتاب سيفضح فيه العديد من الأسرار. ما أسال لعاب كثيرين كون الجامعي يعرف الكثير ولم يقل سوى القليل حتى الآن.