بعد 23 سنة على تقديمها للمرة الأولى على خشبة «كازينو لبنان»، تعود المسرحية الشهيرة إلى المسرح نفسه، لكن في غياب منصور الرحباني هذه المرّة
باسم الحكيم
«صيف 840» عادت إلى بيتها الأوّل في «كازينو لبنان». هناك، انطلقت مع الراحل منصور الرحباني كأول مسرحيّة له من دون توأمه عاصي. ومن أيّار (مايو) 1987 إلى شباط (فبراير) 2010، ما يقارب 23 عاماً. مرور الزمن وتغيّر الظروف واختلاف العوامل الإنتاجيّة ـــــ حيث باتت الأعمال الرحبانية تهتم بضخامة الإنتاج والإبهار المشهدي ـــــ كلّها فرضت تغيّراً ولو طفيفاً في شكل المسرحيّة، التي عادت مع الأشقاء الثلاثة مروان وغدي وأسامة الرحباني.
أما أنطوان كرباج، فيدرك جيداً أن الخشبة هي ملعبه الأول والأهم. مرّ أكثر من عقدين على النسخة الأولى من «صيف 840»، وما زال كرباج يحافظ على رشاقته وتميّز أدائه وحضوره المتوهّج. غسّان صليبا أيضاً ما زال كما كان، كأن السنوات لم تمرّ عليه، توحي لك طلّته بأنه ما زال شاباً في قامته وصوته وأدائه... يردّد الجمهور معه «مش وقتك يا هوى» (غريبين وليل)، و«زينوا الساحة»، و«طوّلوا علينا». وحدها هدى غابت عن النسخة الجديدة، هي المرتبطة بعمل آخر مع «فرقة كركلا». لكن هبة طوجي صاحبة الصوت الأوبرالي في ثانية تجاربها مع المسرح الرحباني، بدت واثقة بنفسها، غنّت فأشعلت الصالة التي صارت «ترندح» معها، وخصوصاً أغنية الختام «وحياة اللي راحوا». يصعب أن يظلّ الجمهور هادئاً لدى مشاهدة المسرحية: ترى بعضهم يتمتم كلمات أغنيات اشتهرت وحقّقت نجاحاً... «زيّنوا الساحة» و«طوّلوا علينا» لغسان صليبا، و«يا حيا الله» لجوزيف نصر.
تدور قصّة المسرحيّة خلال القرن التاسع عشر، وتحديداً في صيف عام 1840، وتحكي قصة مشايخ عاميّة أنطلياس، الذين يجتمعون ويعلنون الثورة على العثمانيين وعلى «زلمتهم» اليوزباشي (كرباج)، الذي يتحكم في شعبه وينكّل به. في هذه الأجواء، يجتمع الزعماء من مختلف الطوائف والمذاهب لمجابهة الظلم. يظهر سيف البحر (صليبا) الذي يتصدّى للاحتلال الأجنبي ويلتقي ميرا (طوجي) التي ترفض ظلم أبيها اليوزباشي، وتتعاطف مع الثوار. تنشأ بينهما قصّة حب، ثم يخطفها سيف البحر لتعيش مع الثوار في انتظار تحرير البلاد. لكن لا يلبث محتل أن يخرج، حتى يأتي محتلٌّ آخر!
لم تتغيّر الرقصات التي صمّمها عبد الحليم كركلا في العرض الأول للمسرحيّة قبل عقدين ونيّف، لكن بدا الراقصون ـــــ الشباب

أنطوان كرباج ما زال يحتفظ بحضوره المتوهّج
أكثر رشاقةً. وكما في العروض التي قُدّمت ضمن «مهرجانات بيبلوس» الصيف الماضي، استنجدت المسرحيّة بممثلين جدد في العمل، إنما ليسوا كذلك على المسرح الرحباني، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة. إذ أصبح يوسف حداد وزياد سعيد ونزيه يوسف وبول سليمان من الأركان الأساسيّة لهذا المسرح. ويطلّ نزيه يوسف في شخصيّة الشيخ فرنسيس، التي جسّدها في النسخة الأصلية وليم حسواني، وبول سليمان في شخصيّة أبو الياس، الذي يمشي مع «الماشي». علماً أن فايق حميصي هو الذي جسد الدور قبله، إضافةً إلى أسعد حداد، الحاضر الدائم في المسرحيات الرحبانية منذ عشرين عاماً، ونوال كامل، وميشال أضباشي، وجوزيف ساسين.
«صيف 840» واحدة من أجمل ما قدّمه منصور وحيداً، إن لم تكن أجملها. ورغم أن منصور ظلّ مسرحه عنواناً للجمال طيلة السنوات الماضية، فإنّ مسرحياته التي قدّمها وحيداً بعد «صيف 840»، غرف فيها من التاريخ، ولم تدخل أغنياتها في ذهن الجمهور، كما حصل مع «لولو» و«المحطة» و«إيام فخر الدين» و«هالة والملك». أليس منصور هو القائل إنه فقد نصفه الآخر حينما فقد عاصي؟


يومياً باستثناء الاثنين والثلاثاء حتى 5 أيار (مايو) ـــــ «كازينو لبنان» ـــــ 01/999666