strong>حسين بن حمزة مع روايات حسن داوود (الصورة)، لا بدّ من أن نستعد لقراءة مختلفة عما اعتدناه في أعمال روائيّين آخرين. إنه يقترح علينا إيقاعاً متباطئاً في الكتابة، ويدعونا إلى الاهتداء بسرعة إلى إيقاع مماثل في القراءة. في اهتدائنا إلى ذلك، نحسّ أننا نؤلف الرواية معه أثناء قراءتها. البطء، أو التبطيء، حاضر دوماً في نبرة هذا الروائي. ربما طُرحت هذه المقاربة مساء اليوم، خلال الندوة التي ينظّمها «مركز بيروت للفنّ» (BAC) عن رواية داوود الأخيرة «مئة وثمانون غروباً» (الساقي)، بحضوره وبمشاركة أحمد بيضون وجورج دورليان.
لا نعرف كيف ولماذا قرّر المركز المهتم بالفنون البصريّة، أن يبدأ انفتاحه على الرواية العربيّة المعاصرة من صاحب «بناية ماتيلد»... لكنّ المؤكّد أن الأخير لا يكتب رواية فقط، يبدو كمن يسعى إلى إنجاز قطعة أدبية تتمتع بنوعٍ من الخلود. لا يترك تفصيلاً، حتى لو كان حركة عابرة ليدٍ أو مجرد التفاتة لإحدى شخصياته، إلّا ويصقله كي لا يبدو ناشزاً أو منافياً للخيار الأسلوبي أوالحساسية السردية التي يُحبِّذها. قراءاته نفسها تذهب في هذا الاتجاه. هو يفضِّل أعمالاً لا تتحرك وقائعها بسرعة غير محسوبة. مذاقات كاواباتا وميشيما وفوكنر وملفيل وكونديرا وماركيز، تتناهى إلينا ونحن نقرأ أعماله. المذاقات وقد ذابت في السرد وتحوَّلت إنجازاتٍ شخصية.

رواية حسن داوود الأخيرة موضوع ندوة اليوم في بيروت


ربَّى هذا الكاتب اللبناني جملته في الكثافة والتجريد والمحو والسَّكينة. سماتٌ كهذه أقرب إلى عمل الشعراء. لا مبالغة إذاً لو سمِّيناه: شاعر الرواية. لا يحضر الشعر هنا بوصفه غناءً مسترخياً أو إيقاعاً درامياً بل هو عملٌ شاق يتحلَّى بشيء من التنكيل بالمؤلف والقارئ معاً. في بداياته، كتب صاحب «أيام زائدة» الشعر وشغف بقراءته وحفظه. نقرأه ونقول لأنفسنا إنه حوَّل تعلُّقه بالشعر إلى حقل الرواية.
جرَّب داوود أن يلعب مرةً خارج ملعبه المفضَّل، فكتب «ماكياج خفيف لهذه الليلة» (2003) التي أُنجزت أساساً كنص مرشّح ليكون فيلماً. ثم تسرّب شيء من الخفة إلى رواية «لُعَب حيّ البياض» (2005) التي تُروى على لسان والدته. لكنه عاد إلى ممارسته المفضَّلة ونبرته الأثيرة في روايته الأخيرة «مئة وثمانون غروباً» التي تسرد التبدّل الخفي الذي يصيب حياة الشخصيات ويقلبها رأساً على عقب. براعة داوود تبدَّت في قدرته على إخضاع أيّ حدث أو فكرة لمزاج جملته. الحرب نفسها كانت محكومة بالحضور عبر إيحاءات وتصرفات صغيرة بدلاً من ضجيج المعارك. بحسب حسن داوود، تتحقق الرواية في كيفية كتابتها لا في سياق أحداثها فقط.


6:00 من مساء اليوم ـــــ «مركز بيروت للفنّ» (جسر الواطي/ بيروت). للاستعلام: 01/397018