حسين بن حمزةتحت عنوان «دراويش»، يعرض رؤوف الرفاعي 71 لوحة في مكانين متباعدين. عُرضَت اللوحات الكبيرة في غاليري Pièce Unique (الصيفي/ وسط بيروت) وغاليري Art Circle (الحمراء) حتّى يوم غد. اللوحات أشبه ببورتريهات يظهر فيها الجزء الأعلى من الجسم، مع التركيز على مساحة الوجه وتعابيره على خلفية شاغرة. يحجب مصطلح «دراويش» وراءه صوراً وممارسات دينية تصوفية، لكنّ مشاهدة اللوحات في السياق الديني ليس إلا أحد الخيارات. ما نراه هو وجوه في النهاية. الضربات اللونية لم تترك من دراويش اللوحات سوى الطربوش. لا نجد مناخات صوفية ضاغطة وكثيفة، ولا تتناهى إلينا جلبة رقصات المولوية أو صيحات الجذب الصوفي. كأن رؤوف الرفاعي (1954) انطلق من فكرة ثمّ انقلب عليها، أو أخذها إلى مصيرٍ مختلف. تأويلٌ كهذا يجعل فكرة الدروايش مجرد حجة أو ذريعة لمشروع تشكيلي وبصري. لكنّ هذا لا يُحسب للرسام بطريقة أوتوماتيكية.
في مكانٍ ما، لا يُوحي الشغل بأن الرسام يسيطر تماماً على موضوعه. الانقلاب على العنوان الأولي يشعرنا أحياناً بأن اللوحات تتكرر من دون أن تُراكمَ حساسية معينة. نتساءل هنا عن شخصية الرسام أو نبرته التشكيلية، وخصوصاً أن الرفاعي سبق أن عرض موضوعاتٍ مختلفة. كأنّ التنوع يُنبئ ببعض الارتباك والتشتت. يتبدَّى ذلك في غياب مهارات كثيرة وقوية قادرة على إدهاش المشاهد. هكذا، يتحول الرسم نوعاً من الزخرفة وإن كانت

الزخرفة تتمّ بتشويه الملامح ومحو التعابير الطبيعية للوجوه

زخرفة غير تقليدية. الزخرفة تتم بتشويه الملامح ومحو التعابير الطبيعية للوجوه. الأنوف والعيون واللحى والشوارب تتعرَّض لتنكيلٍ شكلي ومعياري، لكنّه تنكيلٌ آمن. الدراويش مدفونون تقريباً تحت مدوَّنة لونية تنزع عنهم التشابه الذي قد نحمله عنهم في أذهاننا. بعضهم رُسم بأنفٍ أفطس وشفاهٍ غليظة تذكِّرنا بشخصيات غوغان التاهيتية. آخرون رُسموا بطريقة تقرِّبهم من أبطال السِّيَر الشعبية.
يستحضر المذاق الشرقي للدروايش أجواء الحكواتي الشعبي. بعض الوجوه تبدو مثل مسوخٍٍ بشرية تحيلنا إلى تجربة السوري سبهان آدم... لكن الرفاعي يُنجز مسوخاً لطيفة مقارنة مع الوحوش غير المنضبطة لآدم. لعلّ هذا الفنّان اللبناني نجح في الاشتغال على موضوع واحد وإشباعه على صعيد اللون والتأليف. لقد سعى إلى أن يخلق الموضوع الواحد أسلوبية مشدَّدة وتأثيراً مضاعفاً على المتلقّي. لكن هذا السعي اصطدم بالمعنى المتكرر للوحة. اللعب بالوجوه حوَّل الدراويش إلى دمى وأشكالٍ تفتقد الخصوبة التعبيرية... تلك التي تمنح التشكيلي بصمته الخاصة.


حتّى 25 شباط (فبراير) ــــ «غاليري Art Circle» (الحمراء ــــ بيروت). للاستعلام: 03/774510