تعرض «غاليري فرجام» (دبي) أعمال حبر ورسوم أخرى بتوقيع أسماء غيّرت وجه الفنّ، من ماتيس إلى وارهول. مناسبة نادرة من نوعها في العالم العربي
حازم سليمان
على ورقة صفراء باهتة، رسم بابلو بيكاسو (1881ـــــ 1973) وجهاً طفولياً أهداه إلى إينيس ساسييه، المرأة الأكثر تأثيراً في حياته، كانت مدبّرة منزله وحاملة أسراره وأحد موديلاته أيضاً. وعلى مقربة منه، هناك تخطيطات حبرية لمارك شاغال (1887ـــــ 1985) يُمجّد فيها باريس، بعدما هاجر إليها عام 1910 مسحوراً بأجوائها البوهيمية، ومزاجها الرومانسي.
وقد جسّد هذا الإعجاب لاحقاً في سلسلة أعمال مؤثّرة مطلع الخمسينيات حملت عنوان «تحية إلى باريس». ليس بعيداً عنهما سلسلة تجارب حبرية أيضاً لآندي وارهول (1928 ـــــ 1987) تُظهر انشغاله التأسيسي بإزالة الحواجز بين الفنون الجميلة والفنون التجارية، من خلال تحويل رسوم البضائع التجارية إلى لوحات فنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
في معرض «أساتذة الحداثة ـــــ من ماتيس إلى وارهول» المستمر حتى 10 مارس (آذار) في «غاليري فرجام» في دبي، نشاهد تجارب نادرة تُعرض لأول مرة في العالم العربي.
المعرض يضعنا على تماسّ مباشر مع مسودات ومشاريع منها ما بقي على حاله، ومنها ما تحوّل إلى أعمال غيرت وجه الفن في العالم. لا يدّعي المعرض تلخيص مسيرة الفن الحديث، بل يركّز على مجموعة من أعمال «الحبر على ورق» وبعض الخامات الأخرى مثل أقلام التلوين الشمعية، لنكون في نهاية المطاف أمام حالات إبداعية على شكل ومضات خاطفة تبهر العين.
هي أعمال تضعنا أمام الكيفية التي يتخذ فيها الفن أشكاله ومناخاته المرتبطة بمزاج الفنان، وحالته النفسية لحظة وضع تخطيطه، وحتى «خربشاته» السريعة أو كما يقول بول كلي (1879 ـــــ 1940) عن تجاربه الورقية السريعة «حياتي نزهة تركت آثارها السريعة على الورق».
ينقسم المعرض الذي يضم تجارب لعشرين فناناً، أقدمهم غوستاف كليمت (1862 ـــــ 1918)، إلى قسمين: الأول يعكس تطوّر دور الورق في مرحلة الحداثة من وسيلة ثانوية إلى غاية أساسية، ويُظهر الفهم الفيزيائي لطبيعة الورق الذي استُخدم منطلقاً اختبارياً للأفكار والأساليب والتقنيات الجديدة.
ويضعنا القسم الثاني أمام الحساسية الفنية الخاصة التي يمكن أن تضمّها المسودات، وقدرتها الفريدة على استيعاب القلق والتوتر وحتى التهور... وذلك الشعور المثير بالحرية وعدم الخوف من المخاطرة في التعبير والتحقق من طبيعة الأشياء. وهي تفاصيل تولّد الشعور بالحرية اللازمة لصنع الصور والمخاطرة الفنية. وربما كان سلفادور دالي (1904 ـــــ 1989) من أكثر الفنانين الذي منحوا الرسوم الورقية دوراً أساسياً في التجربة العملية الإبداعية. كان يعدّها «الوسيلة الأهم لشرح الأسرار وتحقيق الكمال في الصنعة».
التجوال بين أروقة المعرض يضعنا أمام 37 عملاً استثنائياً مشغولاً على الورق الياباني والشفّاف: تكوينات برنار بوفيه (1928 ـــــ 1999) وخطوطه السوداء المظلمة التي كانت سبباً في شهرته المبكرة، إلى جانب نساء وليام دي كونينغ (1904 ـــــ 1997) الفنان الأكثر شهرةً في تيار التعبيرية التجريدية، ورسوم النحّات مارينو ماريني (1901 ـــــ 1980) التي توضح علاقته الفريده بالخيول والفروسية، التي كانت بالنسبة إليه معادلاً للتصوير الأيقوني. وتبرز في المعرض أيضاً انشغالات خوان ميرو ( 1893 ـــــ 1983) البصرية، وخاصةً في المرحلة التي تداخلت أو تشابهت فيها أعماله بأعمال بيكاسو في رسوم طفولية الخطوط، ومحاولة الوصول إلى جوهر الأشياء والحد من التركيز على الأسلوب.
الحضور الأكبر والأغزر في المعرض هو لسلفادور دالي بتجاربه المتنوعة ومسوداته التي عبّرت عن مراحل مختلفة من تجربته، والتأثيرات المباشرة في أعماله، وخصوصاً حكاية «مار جرجس والتنين» (1947) التي كانت تعبيراً عن علاقة دالي المضطربة بالدين، ولم تتبلور إلّا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اقتربت أعماله من روحانية واضحة.
تمثّل معروضات «أساتذة الحداثة» رحلة ممتعة تختلط فيها الدهشة بخيبة الأمل، لكنها في نهاية المطاف تفتح أمامنا مساحة لفهم الكثير من التفاصيل الصغيرة، التي كانت تحدث في محترفات وخلوات روّاد حداثة القرن الماضي.
وتؤكّد مقولة ماتيس عندما تحدّث عن رسومه الورقية «الرسم ليس مجرد اختبار للبراعة اليدوية بقدر ما هو وسيلة للتعبير عن المزاج والمشاعر الحميمة».


حتى 10 آذار (مارس) المقبل ـــــ «غاليري فرجام» في «مركز دبي المالي
العالمي»