عن البطالة والفساد والسلفيّة والاستعمار

«كلامي» هو عنوان الأسطوانة الجديدة التي أطلقها فنّان الراب الجزائري الأشهر، متطرّقاً إلى الفتنة المذهبيّة في العالم العربي، وسياسة أوباما المشغول بأمن إسرائيل. لطفي بلعمري صار رمزاً للتمرّد منذ ذلك الصيف في عنّابة 1997

الجزائر ــ سعيد خطيبي
فرض لطفي دوبل كانون (اسمه الحقيقي لطفي بلعمري) نفسه كأبرز أصوات الراب المغاربي خلال العقد الماضي. أخذ المغنّي الجزائري الشاب هذه الموسيقى إلى مناطقها الأصليّة، أي تلك المعنيّة بمناهضة كل العقبات التي تثقل حياة جيله. صارت أغانيه ناطقةً بصوت شريحة واسعة من الجزائريين، وتتصدّر ألبوماته سنوياً قائمة المبيعات.
منذ فترة، أصدر Double Kanon آخر أسطواناته التي حملت عنوان «كلامي». ككل إنتاجات لطفي، تنضح أغاني العمل بأسئلة الهمّ العام، من البطالة والفساد والإدمان وانتشار الشعوذة والعلاقات العاطفية (أغنية «حب تايوان»)، إلى نقد السياسة العامة للحكومة الجزائرية (طابوهات)، والأثرياء الجدد، وبارونات البترول، وسادة السوق، وجنرالات موانئ الاستيراد والتصدير (نفاق)... فلا عجب إذاً أن يُطلق على قصائده المغناة صفة «الجورنال» (الصحيفة).
وينطلق الألبوم من أغنية «كلامي» التي جاء فيها: «هذا كلامي، أحكي فيه عن الزوالية (الفقراء)... أحكي فيه على ناس تيزي وزو اللي تْهَزّو (الذين اعتُقلوا).. نحكي على الناس اللي ضربوهم في الطارف... وعلى الفتنة اللي شعلت بين السنّة والإباضية». ثم يعرّج على تطورات السياسة الدولية. يقول: «كلامي يحكي على باراك أوباما... اللي يحسبوه رايح يخرجنا من الظلمة... ومن على خمس السنين، الهمّ نتاعو يصير الأمن تاع إسرائيل».
تتأتّى خصوصيّة دوبل كانون من قدرته على مزج العاميّة الجزائرية بلغة أدبية أحياناً، مستفيداً من تكوينه الأكاديمي، فهو متخرّج من معهد الجيولوجيا في جامعة عنابة (شرق الجزائر)، وتتأتّى خصوصيته أيضاً من قدرته على إزعاج السلطة.
اشتملت مسيرة دوبل كانون، الذي نشأ وسط عائلة متواضعة الحال، على 15 ألبوماً. صدرت باكورته في عام 1997 بعنوان «كاميكاز»، وقد ركّز فيها على اتساع دائرة تعاطي المخدرات بين الأوساط الشبابية. توالت بعدها النجاحات من «لاكامورا ـــــ 1» (أدى فيها أغنية «الجزائري يموت واقفاً»)، و«لاكامورا ـــــ 2»، تناولت في مجملها فشل النظام الحاكم في إنقاذ البلد من دائرة العنف الإسلاموي خلال التسعينيات، وصولاً إلى «فيروس»، و«كوندانيه»، و«كوشمار» التي تطرق فيها لأول مرة إلى الهجرة غير الشرعية.
اشتهر بكثير من الأغاني ذات الطابع السياسي، على غرار «الذين أهلكوا البلاد»، التي أصدرها خلال «العشرية السوداء» (التسعينيات)، محمّلاًَ الشاذلي بن جديد مسؤولية الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد. يومها، نطق لطفي عبارته الشهيرة: «اللي أعطى الفو فير (الضوء الأخضر) شعره أبيض ولد الكلبة». اشتهر دوبل كانون أيضاً بأغان تنتصر للقضية الفلسطينية، على غرار «فلسطين حزينة» التي أهداها إلى أرواح شهداء عدوان غزة، إضافةً إلى أغانٍ ذات طابع علمي مثل أغنية «فلسفة»، حيث يحكي قصة تكوين مجرة درب التبانة والكرة الأرضية، انطلاقاً من فرضية الانفجار العظيم... ويذكّر دوبل كانون بفضل المغني «وهاب» على بداياته الموسيقية. وهاب اكتشف لطفي منتصف التسعينيات في مدينة عنابة، وأمدّه بكلمات حقّقت أولى نجاحاته، قبل أن ينفصل الطرفان مطلع الألفية الجديدة.
نجح دوبل كانون (الذي يستمد معنى اسمه من أحد أنواع لفائف الكيف) في تخطّي فرق جزائرية سبقته إلى ميدان الراب، على غرار «أنتيك» التي تأسست عام 1988. و«أم. بي. أس» (MBS :Micro Brise le Silence) التي ما زالت تحتفظ بشرف إنجاز أول فيديو كليب راب عربي (1995)... وما زال لطفي يواصل تربّعه على عرش «الراب الجزائري»، حتّى ذهب بعضهم إلى حدّ وصفه بأخطر مغنّي راب في الوطن العربي، إذ تجاوزت انتقاداته ساسة الجزائر لتمتد إلى انتقاد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في أكثر من أغنية، ثم تحميل أئمة بعض الطوائف السلفية في السعودية مسؤولية اتساع المنهج التكفيري بين الشباب المتديّن في الجزائر... ويرى بعضهم أن أغنياته أسهمت في شحن «الانتحاريين» في الفترة الأخيرة.


انطلاقة عنّابة

خلال حفلة كان يقيمها في الهواء الطلق في مدينة عنّابة (شرق الجزائر) في صيف 1997، قطعت الشرطة وصلة لطفي دوبل كانون (1974) بسبب مواضيع الأغاني التي عدّتها جريمة، لأنها تنتقد السلطة والنظام بطريقة لاذعة. منذ ذلك الحين، صار لطفي رمزاً للتمرّد والخروج عن القانون بالنسبة إلى الشباب الجزائري.