زياد عبد الله
كلمتان فقط كانتا كافيتين لإلغاء تصوير فيلم «صلاة الغائب» للمخرج السوري نضال حسن (1973). الشريط الذي تُنتجه مؤسسة «موسفيلم» الرّوسية و«المؤسسة العامة للسينما» في سوريا، أُلغي تصويره بعدما رفض حسن الامتثال لطلب المؤسسة بحذف مشهد يُشرب فيه العرق، إضافةً إلى مشهد آخر وُصف بـ«الجنسي»! لكننا في فيلم حسن السابق «جبال الصوان»، الذي يُعرض في مهرجان DOX BOX، شاهدنا تقطير العرق، ورأينا كيف يَذرف «دمعة العرق» من يقطِّرونه في جبال الساحل السوري، ولا نعرف كم من الحذف كان سيطاول هذا الفيلم لو قدّمه نضال حسن إلى المؤسسة! وعلى هدى الاجتهادات الرقابية، فإن «جبال الصوان» سيعدّ وثيقة إدانة كحولية! في هذا الفيلم، يقصد السينمائي الشاب جبال الساحل السوري، وتحديداً قرية حمام القراحلة. وبمجرد أن يسأله لقمان علي، صاحب المواويل الحزينة «شو عم تصوروا؟» تقع الكاميرا في غرام تلك القرية.
كل ما يحيط بنضال حسن سيدفع به إلى الإجابة عن هذا السؤال، من خلال كاميرا شغوفة بالمكان وبالطبيعة التي تملأ العدسة بجمال متوسطي خاص... لا بل إن ذلك سيدفعه ليكون راوي الفيلم، وهو يوضح سبب وقوعه في شباك المكان، ومن ثم ساكنيه... وعلى رأسهم حكمت عدرة، الفنان الفطري الذي نتعقّب حياته وهوسه بالصخور والأحجار، وخروجه بمنحوتات يحافظ فيها على عفوية الطبيعة، وصياغاتها التي يجدها الأسمى والأكثر إبداعاً.

ألغت الرقابة تصوير فيلمه الجديد «صلاة الغائب»
هذا الهوس سيدفع بحكمت إلى هجران كل شيء، بما في ذلك مهنته كمعلم بناء، وحتى أولاده الثلاثة الذين «نزلوا إلى المدينة بينما صرت أصعد إلى الجرد»، حسبما يقول.
حكمت عدرة يرينا كيف صنع من الصخور تمثال امرأة ترتدي قبعة ونظّارة، لكن هذه النظّارة لم تمنع عنها الدموع، وغيرها من منحوتات تحمل قراءته لها جمالية خاصة. عالم هذا النحات سيُفتح على العوالم التي يلتقيها مع أشباهه، وجميعهم متّفقون على تقديس الطبيعة والاحتفاء بها. يعيشون عزلتهم وهم يقرأون ويبدعون ويستمتعون بجمال خاص يتأمّلونه، ويشربون العرق، وينشدون الأغاني، ويحتفون بعضهم ببعض ويتبادلون الأفكار ومتعهم الصغيرة.
سيستكمل الفيلم تلك العوالم مع شاب اسمه هيثم، يجد في الفن معيناً له على أرقه المزمن، وفي «الحصى» ما يصنع منه أشكالاً فريدة. إنه لا يبالي إلّا باستمتاعه بها، كرهان شخصي يستوقف المشاهد. «جبال الصوان» فيلم بيئي مصنوع بشغف ويتيح للمشاهد أن يتعرّف على حراس الفطرة، وكيف أصيب حكمت عدرا بلوثة الفن، ويراهن على الجمال للتواصل مع محيطه.

8 آذار (مارس): 4:30 ـــــ 10 آذار: 5:30