غيّرت «أيام سينما الواقع» النظرة إلى شكل إبداعي مهمل في الثقافة السائدة. ويأتي برنامجها الجديد حافلاً بالمواعيد، في محاولة لتجاوز الأزمة التي تعيشها السينما الوثائقيّة في العالم العربي
دمشق ـــ زاهر عمرين
خلال دورتيه السابقتين، استطاع مهرجان «أيام سينما الواقع» DOX BOX (راجع المقال 17) استقطاب مجموعة من الأسماء الناشطة على الساحة التسجيلية الدولية والمحلية، أمثال السوري عمر أميرالاي، ومؤسِّس شبكة التسجيلي الأوروبي (EDN) توه ستين موللر، والمخرج الفرنسي نيكولا فيليبير، والفنلندية بيريو هونكاسالو وآخرون...
وقد حقّقت هذه التظاهرة خلال العامين المنصرمين نقلةً نوعية، وغيّرت في النظرة السائدة إلى الشريط التسجيلي عند الشباب السوري الذي ازداد وعيه لخصوصيّة هذا القالب الفنّي، مقارنةً مع البرامج التلفزيونية الوثائقية. هكذا، استطاع «دوكس بوكس» إثبات حضوره عند شرائح جديدة لم يعتد صناع الثقافة وجودها في صالات السينما أو المسارح أو أروقة صالات العرض الفارغة، ما يزيد اليوم من أهميّة «أيام سينما الواقع» ويفتح أمامها طريقاً واسعة في المستقبل.
وهذا العام، يقدم DOX BOX في دورته الثالثة، التي تنطلق بعد غد الأربعاء وتستمر حتى 11 آذار (مارس)، إضاءةً بانورامية غنية على مجموعة من الأنشطة. المهرجان يقدّم 43 فيلماً ستشارك في مختلف أقسام التظاهرة، بينها 11 في «المختارات الرسمية» و 19 تُعرض للمرة الأولى في المنطقة العربية.
وإضافة إلى أفلام «المختارات الرسمية» التي تتنافس كما جرت العادة على جائزة الجمهور، تتنافس للمرة الأولى أعمالٌ تسجيلية سورية على «جائزة أفضل فيلم تسجيلي سوري». وتأتي هذه التظاهرة في ظل الإشكاليات الكثيرة التي تحدّ حالياً من زخم الصناعة التسجيلية في سوريا، من الرقابة إلى سوء التمويل والعرض، وصولاً إلى مواضيع الأفلام نفسها، فيما تندرج أفلام أخرى تحت مواضيع محددة في تظاهرات متنوعة، كما هي الحال في التظاهرة الجانبية التي اختار لها أصحابها عنوان فيلم الإيطالي إليو بتري «الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة». هذه التظاهرة تقدّم مجموعة من روائع السينما التسجيلية التي تمتد من عصر ثورة العمال خلال النصف الأول من القرن العشرين إلى الحركة النقابية العمالية في الغرب حتى عصرنا هذا. إضافة إلى تظاهرة «رجال ونساء» و«روائع المهرجانات».
ويحتفي «أيام سينما الواقع» الذي يقام في صالتي الكندي والحمراء في دمشق، وفي محافظات أخرى، بمونديال 2010 على طريقته، تاركاً لكرة القدم مساحة خاصة، مع «زيدان: بورتريه من القرن الحادي والعشرين» (فرنسا ـــــ 2004) للمخرجين فيليب بارينو ودوغلاس غوردون. إضافة إلى فيلم Freetime Machos الذي يتناول أشهر نادي روغبي في فنلندا.
كذلك تخص الدورة الحاليّة عدداً من صنّاع الشريط التسجيلي بلفتات تكريميّة. يحضر المعلم الثمانيني الأميركي د. أ بينيبيكر رائد «سينما الحقيقة» الذي يعرفه السوريون عبر أربع دقائق من فيلمه «لا تنظر إلى الخلف»، حيث يظهر بوب ديلان وهو يرمي كلمات أغنيته على الأرض، حين يسمعها في مشهد مشوب بالسحر والغرابة. بينيبيكر أحد رواد السينما الأميركية المباشرة، بدأ العمل في الخمسينيات وأسهم في تطوير الأدوات التقنية والأسلوبية السردية التي أحدثت ثورة في تاريخ السينما التسجيلية. وسيُعرض «لا تنظر إلى الخلف» في المهرجان (4/3).

يأتي للمرة الأولى إلى الشام باتريسيو غوسمان، صاحب ثلاثية «معركة تشيلي»
ويحضر إلى دمشق، للمرة الأولى، مؤرخ تشيلي باتريسيو غوسمان، صاحب ثلاثية «معركة تشيلي» التي تعدّ بين أهمّ المراجع، في السينما الإبداعيّة التسجيلية، عن مرحلة بينوشيه الديكتاتورية، وبالتالي عن حركات التحرر العالمية والحرب الباردة (تلك المرحلة خنقت، كما هو معروف، حلم التغيير الديموقراطي الذي جسّده سلفادور الليندي). وتُعرض ثلاثية «معركة تشيلي» أيضاً في المهرجان (4/3، 5/3، 6/3).
ولا يكتفي مهرجان «أيام سينما الواقع» بعرض الأفلام، بل يقدّم للفنانين الشباب المعنيين، وسواهم من المهتمّين، فرصة لاتباع عدد من الورشات والدورات التدريبية على أيدي مجموعة من كبار المخرجين والمدربين الدوليين تحت اسم «مخيم التدريب» وبرنامج «تكوين». هنا، ستقام ورشات لكتابة الفيلم التسجيلي وجلسات تدريب تعنى بالتصوير والمونتاج والإنتاج.
ويأتي البحث عن فرص بديلة للإنتاج التسجيلي بالنسبة إلى التسجيليين السوريين، والعرب عموماً، على قائمة أولويات «أيام سينما الواقع»، إذ تستضيف الأيّام عدداً من المنتجين وممثلي المهرجانات والجوائز والمنح وممثلي التلفزيونات التي تعنى بهذا النوع من الأفلام: مثل محطة ARTE الفرنسية الألمانية و«الصندوق العربي للثقافة والفنون» الذي كان قد أعلن منذ شهور تخصيص منحة مستقلة مكرسة للفيلم التسجيلي العربي. هكذا، يهدف المهرجان إلى خلق نشاط تشبيكي بين المموّلين والموزعين وصناديق الدعم من جهة، والمخرجين والمنتجين من أصحاب المشاريع الجديدة من جهة أخرى.

من 3 إلى 11 آذار (مارس) ـــــ صالتا «الكندي» و«الحمراء»، دمشق ـــــ للاستعلام: 00963113137391 ـــــ
www.dox-box.org


بين العام والخاص

تتخذ بعض الأفلام المشاركة في المهرجان زاوية ذاتيّة، فتركّز على معاناة الفرد داخل الهامش العام. هكذا، يتتبع نضال حسن في «جبال الصوان» يوميات النحات حكمت عدرة. وهذا ما تفعله بدورها الأردنيّة لينا العبد في «نور الهدى» حيث تتعقّب أحلام طفلة تعيش في بيت تنك في إحدى الضواحي السوريّة. في المقابل، يتعقّب سامر برقاوي في «كلام حريم» واقع المرأة في منطقة الجزيرة السوريّة، ومواجهتها اليوميّة مع مجتمع بطريركي... بينما تتناول كلّ من زينة دكاش (12 لبناني غاضب)، وجاكوب بياتيك (الأم) حياة السجناء.
صبغات سياسيّة/ تاريخيّة تتلبّس بعض الأعمال. يروي غسان سلهب بيروت جيله في «1958»، فيما تتعقّب دنيا بوفيت وولتيك في «لو كان للضباب جذور» آثار حرب الجزائر على مقاوم سابق يحتضر في أحد المستشفيات الباريسيّة. ويمضي تيل روسكنز في «خرائط فيديو: عايدة، فلسطين» إلى سرد يوميات مخيم «عايدة» (شمال بيت لحم).